مآب عامر
بقيت أم ايناس تسأل ابنتها التي تزوجت منذ أكثر من عامين: "متى تراجعين طبيبة؟"، في إشارة إلى تأخر فرصة الحمل لديها من دون أن تدرك أن ايناس وزوجها اتفقا على تأجيل الحمل والإنجاب حاليا.
فمسألة إنجاب الأطفال "مثيرة للقلق" بالنسبة لمتزوجة تعيش في غرفة صغيرة بمنزل يشاركها فيه أفراد أسرة زوجها، "لأننا كنا نتحرك بالكاد داخل الغرفة، ولم يكن هناك ما يكفي لسرير الطفل أو حاجيته"، كما تقول ايناس.وكانت ايناس تنتظر مع زوجها الانتقال لشقتهما الجديدة بحلول عام 2023، الأمر الذي دفعهما لاتخاذ هذا القرار.
بالرغم من أن ايناس تشعر بأنها "انتكاسة" لها ولأحلامها، لكنها وافقت عليه بعد أن علقت الآمال على أن يكون انجابها لطفلها كأول مهمة تحرص عليها بعد الانتقال"، موضحة أن "زوجها أقنعها بضرورة ذلك، لأنه لا يمكن تعريض طفلهما لمعاناة ما لا يمكن توفيره له".
يبدو أن الكثير من الشباب المقبلين على الزوج يفضلون تأجيل فكرة إنجاب الأطفال، وفي بعض الحالات، لم يتمكن غيرهم من إتمام الزواج أو الاستمرار فيه لقناعتهم بأن الوقت "غير مناسب". ولكن لماذا؟ هل بالفعل أن الوقت غير مناسب لتأجيل فرحة إنجاب الطفل الأول؟.
اختار إبراهيم سعدون، وهو عامل بناء، فكرة تأجيل إنجاب زوجته لطفل بسبب الظروف الاقتصادية،بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة أعوام على زواجهما، ويقول إن "كثيرا ما أسمع السؤال نفسه" متى نناديك أبو فلان؟" لكن إنجاب طفل يحتاج لنفقات كثيرة لا أقوى على توفيرها في هذه الظروف". الأطفال بالنسبة لسعدون لا يحظون بالاهتمام الكافي لكثرة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية، ومن ثم "فأنا أحرص على أن يعيش أطفالي حياة طبيعية خالية من العقد والأزمات"، وفق تعبيره.
ويقول، مشيراً إلى أطفال شقيقه الأربعة: "كان عليّ التفكير لأكثر من مرة قبل الأقدام على الزواج بسبب ما شاهدته من معاناة شقيقي في تربية أطفاله ورعايتهم، لم يكن لديه الخيار سوى العمل ومن دون راحة فقط ليوفر قوت يومهم".ويضيف قائلا: "لكن حياته الآن عبارة عن "ديون والتزامات" فكلما حاصرته أزمة لمرض أطفاله أو لفصل دراسي يضطر لاستدانة
المال.
طفلي يتربى عند غيري
هذا الشعور الذي يطغى على سعدون كان على غيره أيضا. ويدافع صالح حميد عن تأجيل الحمل بقائمة من الأسباب التي تعرض الأزواج الموظفين لمعاناة لا حدود لها.
إذ تجد الكثيرات من الأمهات الموظفات، بعد انتهاء إجازة الوضع، صعوبة العودة إلى وظائفهن، وما يتطلبه ذلك من ترك أطفالهن الرضع عند أقاربهن أو حضانة أو عند مربية منزل للاعتناء بهم.
وهذه الالتزامات بنظر حميد، ستكون من شأنها زيادة التكاليف المالية، فضلاً عن إهمال تربية الطفل ورعايته، وكذلك باحتمال إصابتهم بالأمراض، " مشكلة كبيرة أن أترك طفلي يتربى ويكبر عند غيري الذي ينظر إليه كما يريد ويعتقد لا كما أريده أنا وأطمح له".ولا يجد حميد، غضاضة في تأجيل إنجاب الأطفال حتى تحسن الأوضاع، إذ يجعله حالياً هذا القرار أكثر قدرة على مواجهة المتاعب، كما أنه يوفر المال الذي سينفقه مع زوجته على طفلهما المخطط لقدومه لاحقاً.
نوعية الحياة الأسرية
بالرغم من أن العراق يحتل المرتبة الثانية عربياً في الدول الأكثر نمواً سكانياً بعد مصر. اذ بلغت نسبة النمو السكاني خلال السنوات الأربع الماضية 2.6% من مجموع عدد سكان البلد الذي تجاوز 40 مليون نسمة، إلاّ أن وزارة التخطيط، ترى أن تحديد النسل يقتصر على الأسر في المدن فقط، خاصة حديثة التكوين، على عكس الريف الذي ما زال بحاجة إلى جهود لتوعية المجتمع بأهمية تحديد النسل، موضحة أن "هناك اختلافا بين واقع الأسرة في العراق اليوم وقبل أكثر من عشر سنوات، فالأسر حديثة التكوين في المدن تقتصر على طفلين أو ثلاثة، في حين نجدها كانت لا تكتفي بأقل من خمسة إلى ستة".
الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة صبيحة الصالحي تنظر لمسألة النمو السكاني بأنها لا تمثل شيئاً تجاه تحديد النسل من عدمه، إذا لم تكن للوضع العام في البلاد تأثيرات في الأسرة، وتحديداً الأطفال الذين يكونون بحاجة للكثير من الأمور التي يجب أن تتوفر عند الأزواج لنشأتهم بشكل صحيح، "وهو ما صار يدركه اكثر الشباب الآن"، تقول
الخبيرة الكثير من المتزوجين وجدوا أنفسهم فجأة، مضطرين للعمل في أكثر من مكان، وواجهوا متاعب في السكن بمنزل مناسب، فضلا عن تدخل الآخرين بحياتهم، وكل ذلك بسبب الأطفال، " فلو انتظروا قليلا حتى ينظموا حياتهم قبل الانجاب لما حدث ذلك" كما تؤكد الخبيرة.وترجع الصالحي هكذا قرارات الى أسباب اقتصادية واجتماعية، وتضيف أن "الانفتاح الذي يعيشه الشباب اليوم بات يدفعهم لدراسة مسألة الزواج والانجاب خشية الوقوع بأزمات تنتهي بالطلاق".
وتناصر الخبيرة فكرة تأجيل الانجاب قليلاً من قبل الزيجات حديثة التكوين، موضحة، "لأن الأطفال يشكلون مصادر قلق الأبوين في حال عدم رغبتهما في الاستمرار معاً، الأمر الذي يؤثر في تعليمهم
وتربيتهم".