أميركا أولاً

آراء 2020/11/10
...

   د. كريم شغيدل

أميركا كما يعلم الجميع دولة مؤسسات، وليست دولة أحزاب أو طوائف، رؤساؤها منتخبون، ولديها منظومة تشريعية وقانونية صارمة، كونغرس ومجلس شيوخ ولديها ثوابت ستراتيجية سياسية واقتصادية محددة، سواء أكان الرئيس المنتخب جمهورياً أم ديمقراطياً، مع وجود لوبيات رأسمالية ترسم من قريب أو بعيد طبيعة السياسات بما تقتضيه مصالحها، على وفق ايديولوجيا برجماتية تشكل فلسفة الدولة والمجتمع وثقافتهما، وقد فاز جو بايدن على ترامب الذي يعد أنموذجاً مختلفاً لا في سياسته وإنما في أسلوبه الفض المتهور وعنجهيته وصراحته خارج الأطر البروتوكولية والدبلوماسية.
العالم المتحضر كان ينتظر النتائج ويراهن على الديمقراطية التي تربى عليها، بلا أية تأويلات أو تعصب، وقد سجلت هذه الانتخابات أعلى نسبة من المراهنات المالية، فالغرب ينظر للأمر بوصفه مباراة، لا تفرق كثيراً عن أية مباراة لكرة القدم أو السلة أو البسبول، بينما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي العربية بتصنيف طائفي لكلا المرشحين، فبايدن شيعي وترامب سني، وهذه قضية أكثر من مضحكة، وطبعاً هذه ليست المرة الأولى التي يصنف بها رؤساء أميركا بهذا التصنيف، فقد قيل سابقاً إنَّ بوش الابن شيعي وأوباما سني، أو بتوصيف أدق أخواني، لأنه دعم ما سمي بالربيع العربي الذي علت فيه نجوم الأخوان المسلمين ثم أفلت.
قد يقال إنَّ المقصود هو الميول، ولا أعتقد بذلك، بل هي التحولات الستراتيجية في السياسة الأميركية، فبايدن الذي يعتقد البعض بأنه مدعوم من إيران هو صاحب مقولة تقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي، وهو المؤيد لغزو العراق، بينما كان معارضاً لعملية اغتيال أسامة بن لادن، بينما ترامب الذي نقل السفارة الأميركية للقدس قد أدان أوباما لانسحابه من العراق على وفق مقولة أين ما يكون هناك نفط فجيوشنا ستكون هناك لحمايته.
ماذا يعتقد الذين صنفوا بايدن مناصراً للشيعة؟ هل سيفك الحصار الاقتصادي عن إيران وبرامجها النووية؟ هل سيوقف الحرب في اليمن؟ هل سيعيد السفارة الأميركية إلى مكانها؟ هل سيدعم بشار الأسد، هل سيقسم العراق لصالح دول الجوار؟ اطمئنوا أيها السادة مصالح أميركا أولاً لا حلفاؤها ولا أصدقاؤها وإن اختلفت الرؤى.