جحيم الإرهاب يتصاعد في أوروبا بتأثير الفكر المتطرف

آراء 2020/11/11
...

   عبد الحليم الرهيمي 

أثار العمل الإرهابي بنحر و قطع رأس المدرس الفرنسي صامويل باتي قرب منزله في ضاحية باريس على يد ارهابي شيشاني ( عبدالله انزوروف) البالغ من العمر 18 عاماً في 16 تشرين اول الماضي، ردود أفعال غاضبة و عنيفة في العديد من بلدان العالم الإسلامي، وقد ادى هذا الفعل الإرهابي الفظيع الى تداعيات سياسية و أمنية خطيرة على الصعيدين الفرنسي و الأوروبي، لاسيما بعد القيام بعمل إرهابي آخر مماثل في إحدى كنائس مدينة نيس جنوبي فرنسا و راح ضحيته امرأة عجوز قطع رأسها بينما قتل اخرون، وبعد يومين من هذا العمل الإرهابي نفذت عملية إرهابية في النمسا ثم اخرى في المانيا وتاليا في هولندا.

هذا التواتر في وقوع الاعمال الارهابية وتتابعها واتخاذها الاساليب ذاتها أثارت الذعر في فرنسا أولاً و دول اوروبا و شعوبها ثانياً وهي كانت تتوقع ذلك، حيث وضعتها الجماعات الإرهابية في اول اهدافها منذ سنوات وهو الامر الذي يعني دخول أوربا في جحيم ارهاب متصاعد، بمختلف الأساليب و الأشكال الدموية والفكرية والإعلامية التي تنفذ أعمالا إرهابية من جهة وتعمل على حشد وتجنيد الشباب في الجاليات الإسلامية في أوربا وفي العديد من البلدان الإسلامية من جهة ثانية.
جاء هذا التصعيد في الأعمال الإرهابية في فرنسا خاصة، وفي العديد من البلدان الأوروبية تانياً بعد شهور من حمله الرئيس الفرنسي عما نوئيل ماكرون في 21 شباط الماضي ضد ما اطلق عليه الحمله ضد الانعزالية التي تسعى اليها بعض الجماعات الإسلامية بإقامة( كانتونات) منعزلة متمردة على القيم والقوانين والثقافة الفرنسية، وهي إجراءات تقضي بالحد من نشاطات دعاة ومروجي الفكر المتطرف في فرنسا عبر ملاحقة وتشديد الرقابة على المؤسسات والمراكز الثقافية وبعض ( أماكن العبادة) التي أسسها ويمولها ويوجه معظمها دعاة و مروجون مرتبطون بدول عدة وفي مقدمتها تركيا و قطر، خاصة تركيا التي تستخدم وتوجه تلك الأماكن للدعاية والترويج وتجنيد الشباب من الجاليات الاسلامية للانضمام إلى المنظمات الإرهابية. 
ومنذ عام 1995 وضعت الجماعات الإرهابية أوروبا على ( جدول أعمالها)، حيث بدأت تهديداتها توجه إلى مجموعة دول ( شينغل).
وقد تصاعدت الأعمال الإرهابية ضد هذه البلدان بشكل واسع منذ بداية العام 2015 ( اي بعد احتلال عصابات داعش لبعض الأراضي العراقية بدءاً من العاشر من تموز 2014) وقد احصت الصحافة الفرنسية الأعمال الإرهابية منذ ذلك التاريخ حتى منتصف هذا العام والتي بلغ عددها 253 ضحية ومئات الجرحى، حيث شهدت فرنسا خلالها 18 هجوماً، بدءاً من الهجوم على شارلي ابيدو في يناير 2015.
لقد شنت الحكومة الفرنسية بعد حادثتي المدرس والكنيسة في نيس حملة واسعة لملاحقة ليس فقط المشتبه بهم في مشاركتهم بالأعمال الإرهابية الأخيرة، وانما أيضاً ضد الذين وضعت امامهم السلطات الأمنية الفرنسية اشارات لأن يكونوا جواضن للجماعات الإرهابية. وحسب بيان لوزارة الداخلية فإنها وضعت نحو 8132 على قوائم التطرف الإرهابي، كما قررت حل ( حركة الذئاب الرمادية التركية) التي يبلغ عدد أعضائها 18 الف عضو. 
ومنذ العام 2015 حتى وقوع الأعمال الإرهابية الأخيرة التي ادخلت فرنسا ودول اوروبا وشعوبها بجحيم اتساع نطاق الأعمال الإرهابية وتصاعدها اتخذت إجراءات أمنية ومخابراتية واجراءات اخرى طردت بموجبها من البلاد العناصر الارهابية، الاكثر خطورة غير أن هذه الاجراءات لم تؤد إلى الغايات والأهداف المطلوبة منها ليس فقط عدم القدرة في القضاء عليها انما أيضاً عدم القدرة على الحد منها باستخدام كل الوسائل التي تراها مناسبة، بما فيها القيام بإعادة تأهيل المتطرفين الذين يتم إلقاء القبض عليهم، حيث أنشأت لذلك عام 2015 اول (مركز فرنسي للوقاية والاندماج والمواطنة) او ما يسميه البعض ( مركز تدريب مكافحة الإرهاب) وقد بلغ عدد المراكز التي افتتحت نهاية ذلك العام 13 مركزا. 
وعلى اهمية وفاعلية ما قامت به السلطات الفرنسية و الاوروبية لحماية نفسها من الارهاب بالاجراءات الامنية و البوليسية والاستخبارية و اعتقال اعداد كبيرة من الارهابيين و احالتهم على محاكمات قانونية، ثم محاولتها تأهيل من تستطيع تأهيله، لكن ذلك لم يعد كافيا، لأن الجذر الاساسي الاهم والمؤثر والقادر على تجنيد المزيد من الشباب في الجاليات الاسلامية في اوروبا وفي بلدان عربية واسلامية هو الفكر المتطرف العنيف المؤدي الى الارهاب، وهو المصطلح الذي اصبح متعارفا عليه دوليا و تأخذ به معظم دول العالم ، ولعل ما يزيد هذا الفكر خطورة و تعقيدا هو لجوء معظم الجماعات الارهابية الى استخدام الفتاوى الدينية، كما حصل في حادثة نحر وقطع رأس المدرس الفرنسي، حيث اعلنت الحكومة الفرنسية( أن فتوى دينية كانت قد اطلقت ضد المدرس بقطع 
رأسه).
ونستطيع القول في ضوء كل ما تحقق من اعمال وجهود لمكافحة الارهاب والارهابيين يبقى من دون المواجهة الفعالة المطلوبة، وهي مكافحة الفكر المتطرف الجذر الاساسي والاخطر للارهاب، وإن اول الجهود في استمرار مكافحته في هذا الاتجاه ينبغي ان تركز على كيفية فصل الدين والمقدس عن 
الارهاب.
إنَّ جهودا فكرية وسياسية ودينية قادرة ومتنورة تعمل بهذا الاتجاه، هي الكفيلة بأن تحقق تقدما على هذا الصعيد وذلك بالاختيار الصائب للقادرين على انجاز هذه المهمة وبمساعدة مختلف المؤسسات الدينية والتربوية والثقافية على الصعيدين المحلي والدولي.