ساطع راجي
كلما هبت موجة دعاية لمشروع كبير او عملاق محملة بالحماس الوطني والتهييج الشعبي الذي تتبناه جهات حزبية ورسمية علينا تذكر أمرين، الاول قدرة الجهات الرسمية على تنفيذ مشاريع حقيقية من اي مستوى، علينا استعادة صور الشوارع، التي فشلت عمليات تبليطها المتلاحقة وآلاف المباني التي وقفت هياكلها شامخة تتحدث عن الفشل في استكمالها او بقيت المباني مجرد حفر أساس وأحيانا ليس أكثر من خبر بثه مكتب اعلام وزارة يتعهد بإنجاز المشروع قريبا، هذا الـ(قريبا) الذي لا يأتي أبدا.
الامر الثاني الذي علينا تذكره كلما قاد حزب او وزارة حملة تعبئة شعبية للشروع ببناء مشروع «عملاق» هو عدد المشاريع العملاقة التي ابتلعتها الاحزاب بشكل مباشر او عبر مسؤوليها في الحكومات المتعاقبة لتتحول الاموال العامة الى اقطاعيات خاصة وحزبية وطائرات وسيارات ومولات في الداخل والخارج.
اذا ما تذكرنا هذين الامرين سنعرف ان الحملات التعبوية عن مشاريع عملاقة هي مجرد عملية تمهيد لموجة نهب جديدة تشتد مع قرب المواعيد الانتخابية ليس فقط لتمويل الحملات الدعائية وشراء الولاءات وانما ايضا لاقتراب عمر الحكومة من نهايته، ولا بدّ من افراغ الخزانة فتأتي الحكومة الجديدة تشكو الافلاس ولتتنصل من المشروع وتتهم الحكومة السابقة بتبديد التخصيصات المالية، رغم ان الحكومتين تتكونان من الاحزاب نفسها.
تستفيد الاحزاب الحاكمة كثيرا من المشاريع العملاقة سواء في اظهار حماسها المغشوش للمواطنين وحرصها على تطوير الاقتصاد او في نهب المقاولات الثانوية التي لن تؤدي ابدا الى اكمال اي مشروع.
سيرد الحماسيون للمشاريع الكبرى بأن هذا الكلام يشيع اليأس وجزء من مؤامرة كونية على البلاد وحكامها الناجحين المخلصين، وسيكون ردهم هذا واقعيا ومقبولا، بينما لو حاسبوا مسؤولا واحدا عن نهب وافشال مشروع واحد، وسيكون كلامهم مقبولا لو ان الاحزاب حلت هيئاتها الاقتصادية التي اخترعت لها هذا الاسم الغامض، بديلا عن اسمها الحقيقي، عصابة اجرامية.
ان الجهات التي تفشل في بناء مشاريع صغيرة او تلاحق النفوس الصغيرة لزعمائها اي تخصيص او مقاولة ثانوية، هذه الجهات هي ابعد ما يكون عن بناء المشاريع الكبرى.