باريتو.. «الأسود والثعالب»

آراء 2020/11/11
...

 د. يحيى حسين زامل* 

 لطالما كنت اعتقد بجدارة عالم الاجتماع الإيطالي «فلفريدو باريتو» (1848 - 1923) في التحليل الاجتماعي السياسي، وبجدوى نظريته «الأسوْد والثعالب»، أو «دورة الصفوة» في تحليل أوضاعنا الاجتماعية والسياسية المتقلبة، وذلك من خلال اسهامه بإنتاج نظرية للفعل الاجتماعي ترتكز على تحليل دقيق للسلوك الإنساني، معتبراً المجتمع نسقاً يحقق توازناً من خلال نظرية «دورة الصفوة» أو التي سماها نظرية «الأسوْد والثعالب». 
 وعلى هذا الأساس صنّف «باريتو» الناس إلى أنماط الثعالب والأسوْد، كنموذج طبقاً للراسب المميز لكل منهم، إذ يمتاز أنموذج «الثعالب» بالربط والتأليف بين الاشياء، ويعدون مبتكرين ومخاطرين ومحبين للتجربة، على العكس من «الأسوْد» التقليديين الروتينيين المفتقرين إلى الخيال.
 وحسب هذه النظرية فإن ممسكي السلطة الذين يرمز لهم «باريتو» بـ»الأسوْد» يعتريهم الهرم والترهل في السلطة، ويستحوذ عليهم بذخ السلطة ومباهجها، فيعتريهم الهرم والترهل والانحلال، فيقوم المعارضون وأسماهم بـ»الثعالب» بالمنافسة من خلال العديد من الطرق والأساليب الجديدة فيستحوذون على السلطة، وبمرور الايام يتحول الثعالب ايضاً إلى أسوْد من خلال فساد السلطة، فيقوم ثعالب آخرون بالمنافسة والاستحواذ على السلطة...وهكذا دواليك، وهذا الذي نشاهده هناك وهناك سواء في العالم أو بلداننا، ما هو الا أسوْد وثعالب يتداولون 
السلطة. 
 ويمكن تحديث هذه النظرية على ما يجري في الانتخابات الأميركية اليوم، وما طرحه «الرئيس ترامب»، والمحافظون من شعار «الفيل»، وما طرحه الديموقراطيون متمثلا «بالحمار»، وهذه الرموز هي تعبير أيقوني وتاريخي عن رمزية هذه الاحزاب وتوجهاتها السياسية، وكيف يتداولون السلطة في ما بينهم، بعد أن يهرم كبيرهم ويصيبه العجز، فيتسلمها الآخر بكل قوة، بوصفه نوعاً من التدويل السلمي للسلطة، ولكن تحت نظرية « الفيلة والحمير».
ويمكن تطبيق ذلك على ثوار الأمس في العالم العربي والعراقي أيضاً، أو (ثعالبهم)، وهم اليوم من أكثر الشخصيات المتهمة بالفساد، نتيجة تماهييهم مع بذخ السلطة، بينما يحاول آخرون اليوم ازاحتهم من قمة هرم السلطة بعد أن ملوا من حكرهم السلطة واستحواذهم على مقدرات هذه السلطة وسطوتها.
 
* باحث في الانثروبولوجيا