الاغتراب

آراء 2020/11/13
...

 ريسان الخزعلي
شغلَ موضوع الاغتراب المفكرين وعلماء الاجتماع منذ عقود زمنية، وقد كتبوا عنه الكثير، وجاءت طروحاتهم النظرية والتحليلية في تعليل أسبابه متباينة، تبعاً لتكوينهم الفلسفي والفكري، والاغتراب في أبسط تعريفاته كما أوردها معجم علم الاجتماع: إنه ُ الحالة السايكو اجتماعية التي تُسيطر على الفرد سيطرة تامّة وتجعله غريباً وبعيداً عن واقعه الاجتماعي، ورغم تباين تعليلات أسباب الإغتراب عند المفكرين وعلماء الاجتماع، إلّا أنها تشترك بقاسم مشترك يوضّح الخُلاصة، إذ أشاروا إلى أنه يحصل عند الفرد نتيجة الشعور بعدم قدرته على تغيير الوضع الاجتماعي، الذي يعيشه ويتفاعل معه أو الشعور بالغربة من الأهداف الحضارية لمجتمعه، أو أن المقاييس الإجتماعية والأخلاقية السائدة، لا يستطيع من خلالها تحقيق أهدافه. إلّا أن( كارل ماركس ) قد أوجد َ تعليلاً مغايراً، حيث ربط َالاغتراب بالنظرية الاقتصادية، التي جاء بها بعد أن حوّر معنى الاغتراب الأصلي الذي جاء به( هيكَل ) في فلسفته
 المثاليّة.
يقول ماركس: إنَ ظروف العمل التي أوجدها المجتمع الرأسمالي تؤدي إلى اغتراب العامل، أي لا تُعطيه الفرص المتاحة لتحقيق أهدافه في الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، التي يسعى من أجلها؛ عندئذ يشعرالعامل بإنّهُ مغترب عن وسائل الإنتاج طالما أنّه لايجد السعادة والقناعة من عمله، وبالتالي يكون مغترباً عن الطبيعة الحقيقية للإنسان على حدِّ تعبير 
ماركس.
إنَّ تقسيم العمل والتوزيع غيرالمتكافئ للسلطة والأرباح كما هي طبيعة الإنتاج الرأسمالي، تمنع العامل من مزاولة طاقته الخلّاقة، بعد أن تم استنزافها في غير صالحه وإنما لصالح المتحكم برأس المال والإنتاج ؛ وهكذا يتفاقم الاغتراب ويصبح ظاهرة تنعكس في الحياة الاجتماعية.
إنَّ الاغتراب لايقتصر على (العامل) بالتعريف المهني، وإنما يتعدى لما هو أوسع، حيث يشمل كل القوى العاملة، التي تؤدي خدمة عامة أو خاصة، حينما تشعر بفوارق اقتصادية واجتماعية لاتقّوى على تعديلها أو تغييرها. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ( واقعنا) يُعاني من الاغتراب نتيجة التحولات التي حصلت بعد عام 2003؛ مما يستوجب الالتفات إلى كل ما يساعدنا على تجاوز هذا الاغتراب- الذي لم يكن شائعاَ بمثل هذه السعة- من خلال الدراسات والتحليل والحلول الناجعة.