براءة المتهم

آراء 2020/11/13
...

 حميد طارش
قال من هو أصدق القائلين "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين"َ فالله وهو خالق النفس البشرية والأعلم بمكنوناتها يعلمنا بان نتثبت مما يتهم به الناس من تهم كاذبة اوكيدية، حتى لانظلم الابرياء، فنصبح نادمين، واصفاً اولئك المخبرين بالفاسقين، وهذا يتضمن أي خبر في الامور الاجتماعية والوظيفية والسياسية وذلك لحفظ استقرار المجتمع ، وهي قاعدة اخلاقية تمنع الطعن بسمعة الافراد او الاساءة اليهم او كيل التهم لهم جزافا، خاصة في وقت يعيش فيه مجتمعنا ظاهرة الفساد التي بدأت تهدد الابرياء اكثر من الفاسدين لقدسية سمعة الفئة الاولى بخلاف الفئة الثانية، التي ضحت بسمعتها مقابل المال السحت بل وتراهن على شيوعها وعلى غرار المثل الشعبي (ضاع ابتر بين البتران). 
اهتم الفقه الجنائي بهذه المسألة وتبنى مبدأ (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) أو ما يصطلح عليه (قرينة البراءة)، وهي ضمانة قانونيَّة نصت عليها المواثيق الدوليَّة المعنيَّة بحقوق الإنسان والدساتير والقوانين الإجرائيَّة لحماية حريات الافراد وكرامتهم الانسانية، فالاصل في الانسان البراءة وهو غير معني باثبات نفي التهمة عنه فهو لايحتاج ذلك كونه بريئا وعلى من وجه له التهمة اثباتها بالطرق القانونية وهذا ما روي عن النبي الاكرم(ص)" البينة على المدعي واليمين على من أنكر"، كما ان أي شك في سير الوقائع يفسر لصالح المتهم وهذا ما ورد في الحديث النبوي الشريف" ادرؤوا الحدود بالشبهات" ولا تثبت عليه التهمة الّا باكتسابها اليقين وصدورها بحكم قضائي بات وهذا ما عبر عنه الفقيه بيكاريا،في القرن الثامن عشر،" عدم جواز وصف شخص بأنه مذنب قبل صدور حكم القضاء".
مما ورد في اعلاه يفترض احترام المتهم والتعامل معه كونه بريئا ليمارس حياته بشكل طبيعي وليقوم بواجباته، من دون ضعف وليكون بعيدا عن الابتزاز وألا يشعر بالانكسار او الازدراء من قبل الاخرين لكن واقع الحال يظهر، عكس ذلك تماما، فالمتهم مجرم حتى تثبت براءته وهذه البراءة ستظل مشكوكا ومطعونا فيها، وفي جميع حالات الاتهام وسواء كانت في العلاقات الاجتماعية او الوظيفة العامة او الجريمة، وبذلك يتناسى الناس والمحققون والقضاة تلك القرينة المقدسة والتي يمكن ان تحميهم يوما ما من ظالم او فاسق.