السعودية ترفض شروط الانتاج النووي

قضايا عربية ودولية 2019/01/16
...

ترجمة: انيس الصفار    
بول بلر
الطريقة التي تدير بها ادارة ترامب المباحثات النووية التي تجريها مع السعودية تتضمن تعهدات بالكشف عن بعض الوقائع المتعلقة بالشأن الامني والبرامج النووية التي دأبت الادارة على رفض الاقرار بها. بعض المسائل العالقة استعرضتها صحيفة نيويورك تايمز عبر مقالة نشرتها في وقت سابق. 
فالسعودية تصر على ان تنتج وقودها النووي بنفسها وهذه صيغة اتفاق مختلفة عن تلك التي بحثتها الولايات المتحدة مع دول اخرى في المنطقة طلبت ايضاً مساعدة أميركية لتطوير برامجها النووية، ومن بين تلك الدول الامارات العربية. 
تمتنع السعودية ايضاً عن السماح بعمليات التفتيش الدولي الشامل التي تستهدف الكشف عن اي مساع لانتاج اسلحة نووية. كما اطلق ولي العهد محمد بن سلمان تهديدا صريحاً بأن السعودية سوف تطور اسلحة نووية، وهو تهديد يبدو من حيث الظاهر ردة فعل لأي تطوير مماثل تقدم عليه ايران.
النموذج المفيد لبلوغ هذه الغاية هو ذلك الذي طبق في حالة ايران والذي اطلقت عليه تسمية “خطة العمل المشتركة الشاملة” المعروفة اختصاراً بالاحرف (JCPOA)، وهو اتفاق شاركت فيه عدة اطراف ثم صار يعرف باتفاقية ايران النووية، وهي الاتفاقية التي عابها “دونالد ترامب” ثم نكصت عنها ادارته حين اعادت فرض عقوبات اقتصادية جديدة على الايرانيين رغم استمرار تقيدهم ببنودها. 
اتفاقية (JCPOA) تغلق كل الابواب والسبل التي تمكن الايرانيين من تطوير سلاح نووي من خلال فرض قيود صارمة على تخصيب اليورانيوم وتفكيك المفاعلات التي يمكن استخدامها لانتاج البلوتونيوم وحظر اية عملية ايرانية لإعادة معالجة الوقود النووي محلياً. كذلك انشأت الاتفاقية نظاماً للتفتيش الشامل لا يكتفي بالمراقبة الروتينية للمنشآت النووية فقط بل يتيح للمفتشين الدوليين ايضاً تفتيش اي مواقع اخرى تتوفر عندهم اسباب للاشتباه بممارستها فعاليات ذات علاقة بالنشاط النووي، الى جانب منح الاطراف الاخرى المشاركة في الاتفاقية حق التصويت ضد ايران عند امتناعها عن اعطاء الاذن بإجراء التفتيش المطلوب. 
هذه هي اتفاقية التفتيش الاقتحامي على اعلى المستويات التي افادت التقارير بأن السعودية ترفض العمل بها. كان المفاوض الاميركي مع الرياض هو وزير الطاقة “ريك بيري”، الذي كان يجهل ما تمتلكه وزارته من صلاحيات نووية واعتقد ان مهمته منحصرة بتطوير الانتاج النفطي. هذا الوضع مختلف كلياً عن وضع سلف بيري الذي كان له دور اساسي لانجاح مفاوضات اتفاقية (JCPOA)، وهو عالم الفيزياء النووية “إيرنست موني”.
 
شروط التأهيل
رغم شح التفاصيل المتسربة عن المفاوضات يفيد تقرير صحيفة نيويورك تايمز ان بيري قد ناقش مع السعوديين اتفاقية محتملة تضع حداً زمنياً يتراوح بين 10 و15 سنة لأية قيود تفرض على انتاج السعوديين للوقود. وقد شاءت الصدف ان يكون هذا هو الحد نفسه المقدم لإيران عبر اتفاقية (JCPOA)، بخصوص تخصيب اليورانيوم، والذي تركز عليه هجوم المعترضين على الاتفاقية.
على مدى سنوات عديدة كانت المملكة تلح للحصول “على مثل ما تحصل عليه ايران من اتفاقيتها” كما لو ان تلك الاتفاقية قد اعطت ايران مكسباً نووياً بدلاً من تعطيل برنامجها النووي وفرض حظر عليه.
كان المفروض بالاميركيين ان يردوا على الطلب السعودي بالقول: “حسناً، لكم ما تريدون .. اليكم اتفاقية بنودها مثل بنود JCPOA.” ذلك كان سيعني أن يخضع السعوديون، لا للقيود التي تحدد مقدار ومستوى تخصيب اليورانيوم المسموح لهم به فقط، بل ايضاً لحظر كامل على معالجة وقود المفاعلات المنضب محلياً. 
بذا كان سيترتب على الرياض ان تنسى حلمها بامتلاك مفاعلات تتيح لها انتاج الوقود النووي، وتخضع لاجراءات التفتيش بعيدة المدى نفسها التي تتعرض لها طهران بضمنها التفتيش الالزامي لأية منشآت لم يعلن عنها. كان ذلك سيعني وقف المساعدات الاميركية، المتمثلة ببيع مفاعلات نووية او مساعدات اخرى لتطوير برنامج نووي.  علاوة على ذلك كان سينبغي على السعودية، كي تضاهي ما حصلت عليه ايران، ان تخضع نفسها لعقوبات اقتصادية قاسية الى ان تستجيب لجميع تلك الشروط. بل ربما توقع عليها العقوبات حتى لو استجابت بالفعل للشروط والتزمت بها التزاماً كاملاً، اذا شئنا تطبيق سياسة ادارة ترامب، ولكن هذه الاساليب تمثل اشد سياسات الادارة الاميركية تناقضاً ونفاقاً في المنطقة. ورغم ان ايران تحت حكم الشاه كانت متقدمة على جيرانها العرب في الخليج من حيث تطوير برنامجها النووي، كانت السعودية تمثل منذ وقت طويل سبباً مبرراً للقلق في ما يتعلق بانتشار الاسلحة النووية لأن علاقات الرياض الامنية بباكستان، بما في ذلك تمويل برنامج الاخيرة للتسلح النووي وانتاج اول “قنبلة اسلامية”، وضعت في يدها مفتاحاً ثميناً لا شك انها ستفيد منه اذا ما قررت متابعة الطريق نفسه.
 
فرصة ايران
وسط الحديث الذي يتداوله المعترضون على اتفاقية ايران النووية بشأن الصواريخ البالستية فالواقع أن السعودية هي المتقدمة على جيرانها في هذا الجانب ايضاً. فقبل عقدين من الزمن اشترت سراً من الصين صواريخ متوسطة المدى، ورغم ما اشيع من ان تلك الصواريخ مصممة لحمل اسلحة تقليدية فإن النوع الذي اشترته السعودية مصمم في الاصل لحمل رؤوس حربية نووية.
كما اقدمت المملكة خلال السنوات الاخيرة على تحديث قوتها الصاروخية بالاعتماد مرة اخرى على الصين كمجهز. كذلك تشير نشاطات زعزعة استقرار المنطقة الى ان السعودية هي الاشد اثارة للقلق والبلبلة من معظم الدول الاخرى من حيث احتمالات التورط بحيازة الاسلحة النووية.
فقد مضت في قصفها لليمن الى ان حولتها الى كارثة انسانية، واختطفت رئيس الوزراء اللبناني وحاولت اجباره على الاستقالة كما استخدمت دوائرها الدبلوماسية خارج البلاد لاغتيال المنشقين السلميين. 
الامير الشاب المندفع، الذي يقف وراء كل هذه السياسات يواصل التحرك لتكريس حكم الرجل الواحد طارحاً عن نفسه حتى تلك القيود التي كان يمكن وصفها بأوتوقراطية العائلة 
الجامعة. لكن قتل الصحفي جمال خاشقجي اجتذب مؤخراً اهتماماً مرحباً به الى هذا النمط من السلوك، ولو انه لم يزحزح ترامب عن موقفه الداعم للأمير مهما كان الثمن. 
وقد احسن النائب الديمقراطي “براد شيرمان” التعليق على هذا حين قال: “البلد الذي لا يؤتمن على منشار عظام لا يمكن ائتمانه على اسلحة 
نووية”.
حملة الادارة الاميركية على اتفاقية ايران النووية قد تطلق محاولات سعودية للحصول على تلك الاسلحة. وإذا ما نجحت حملة “الضغط الاقصى” التي تمارسها الولايات المتحدة لضرب المتنفس الاقتصادي الذي كان يفترض ان تنعم إيران به بموجب اتفاقية (JCPOA) فقد ينفض القادة الايرانيون ايديهم من الاتفاقية مشمئزين ثم يعلنوا انها قد ابطلت واضحت لاغية.
بهذا ستتحرر ايران من كافة القيود النووية التي تلزمها بها الاتفاقية وهذا بدوره قد يعطي الرياض المبرر المناسب والمنطقي، خصوصاً اذا بقي محمد بن سلمان في موقع المسؤولية، للسعي وراء القنبلة.