بين الانسحاب السريع والمبرمج

قضايا عربية ودولية 2019/01/16
...

أيان بريمر  
ترجمة: مي اسماعيل
بعد الإعلان المفاجئ للرئيس ترامب عن سحب قواته المتبقية في سوريا قريبا (وعددها نحو ألفي جندي) قائلا:”سيعودون جميعا، وسيعودون على الفور”.
لكن ادارة ترامب عادت لتعلن أن الانسحاب سيتم في غضون أربعة اشهر بدلا من ثلاثين يوما كما قال مسؤولو الادارة في بادئ الامر. 
من بين جملة قرارات السياسة الخارجية المثيرة للجدل في عهد ترامب؛ كان قرار الانسحاب المفاجئ هذا من أكثرها عرضة للتشكيك، وقد أطلق توبيخات عالم السياسة وتوحدت ضده المؤسسة 
العسكرية. 
واستقال نتيجة لهذا القرار كل من “جيم ماتيس” وزير الدفاع و”بريت ماكورك” المبعوث الاميركي للتحالف الدولي لمحاربة داعش. 
حتى الآن يبدو ترامب عازما على اظهار نفسه محافظا على وعود حملته الانتخابية، باعادة الجنود الاميركان في الشرق الاوسط الى بلادهم. لكن قراره بالتراجع عن توقيت الانسحاب يُظهر أنه قد بدأ يفهم التبعات الكاملة لقراره المفاجئ بمغادرة سوريا؛ فيما  تسعى القوى الكبرى لتحل محلها. فما الذي سكون لاحقا؟ 
لا شيء كثير.. من حيث التطورات العسكرية الفعلية؛ فالوجود العسكري الاميركي (2000 جندي) كان ثانويا؛ ومصير سوريا سيتقرر دائما على يد القوى السياسية ذات المصالح المباشرة والموارد الكافية للتحكم هناك؛ وبالذات: تركيا وروسيا وايران. 
ويبدو أن الحدث يوصل مستقبل سوريا الى انفراج سريع؛ فالرئيس السوري بشار الاسد سينتصر اجمالا في نهاية المطاف؛ وستصير تركيا أكثر عدوانية عسكريا، لكنها ستحسّن علاقتها مع واشنطن بالتعهد بازالة كل بقايا داعش من سوريا.
أما الاكراد (الأكثر عداء للاتراك، وأكثر حلفاء أميركا) فسيُنحّون جانبا مرة اخرى، وستحصل ايران على مساحة مناورة أوسع بغياب القوات الاميركية المتسلطة على انفاسها! وستعلن روسيا انتصارها في دعمها واسنادها للاسد؛ بينما سيزداد قلق اسرائيل من الغياب الاميركي الذي كان يقف حاجزا بينهم وبين سوريا؛ وستفقد داعش عدوا آخر لن تقلق بشأنه. 
لكن سوريا في ذات الوقت ستستمر بكونها فوضى جيوسياسية؛ بينما يستمر اللاعبون المتنوعون بالركض وراء مصالحهم الخاصة. وفوق هذا كله فان سمعة اميركا تتلقى ضربة اخرى (من حيث كونها شريكا عسكريا يمكن الاعتماد عليه وصانعة تغيير عسكري).
 
مكاسب متفاوتة الامد!
في أقصى تمدد له كان داعش يضم نحو 4500 مقاتل اجنبي من دول غربية، بينهم نحو 250 أميركيا؛ وفقا لتقرير “مؤسسة التراث- Heritage Foundation” (= مركز دراسات سياسية أميركي محافظ. المترجمة)؛ لكن هزيمة التنظيم في العراق وسوريا (سيطرته لا تتجاوز اثنين بالمئة من المساحة السابقة) لا تعني بالضرورة أن تهديده زال وانتهى. 
بينما فرض انسحاب ترامب من سوريا على تركيا واجب انهاء المعركة ضد داعش. فهل كان هذا انتصارا واضحا لمناصري الاسد الرئيسيين: روسيا وايران؟
ظاهريا؛ يمكن أن يكون الجواب: نعم؛ فكلا الطرفين حاز مكاسب قصيرة الامد من القرار الاميركي. ولكن على المدى البعيد تُركت روسيا لتدعم دولة فاشلة، ذات أهمية استراتيجية مشكوك فيها. أما ايران فستبقى في مواجهة اسرائيل المجاورة ذات القلق المتصاعد. 
نظرا للتقدم القليل الذي حققته الولايات المتحدة في سوريا مؤخرا؛ استغل ترامب الفرصة لالقاء اللوم على أوباما، وينفض يديه بالكامل. وفي الوقت نفسه يُبقي على وعد الحملة لقاعدته الانتخابية. ولكن إذا خطط داعش لهجمة اخرى على مواطنين أميركان بعدما تنسحب القوات الاميركية؛ سيصبح القاء اللوم على اوباما أكثر صعوبة!
ولعل النقطة الثابتة الوحيدة في السياسة الخارجية الاميركية الفوضوية وكثيرة التحول بالنسبة للشرق الاوسط، هي أن: الاكراد سيكونون دائما من يتلقى الضربة الأقوى..