آفتا فرنسا الارهاب والعنصرية

آراء 2020/11/18
...

 د. قيس العزاوي

 انتظرت حتى تبرد الأعصاب قليلا لكي، أباشر الكتابة عما جرى ويجري في فرنسا من سياسات عنصرية ومن افعال ارهابية، وفي الحالتين كانت الخسارة فادحة، وقبل الشروع ببحث تراجيديا العلاقات العربية الفرنسية المتوترة، علينا أولاً أن نتعرف على البيئة الاجتماعية لفرنسا وعمقها التاريخي ومناخها النفسي وطبيعة علاقات العرب والمسلمين بهذه الدولة العريقة.

 يتندر الالمان على الفرنسيين وينعتونهم بـ "قلة الهمة وكثرة الشكوى"، فالفرنسي بطبيعته يشكو "لا يرضيه العجب ولا الصيام في رجب" كما يقال، فهو الشعب الاكثر ميلاً للتظاهر من بين الشعوب الاوروبية كلها، يخرج للشارع ويعطل العمل لكل الذرائع: سياسية، معيشية اجتماعية، فنية، وحتى جنسية، وهو الشعب الاكثر علمانية من جميع العلمانيين، في فرنسا وعلى اثر عشرات السنين من الحروب الدينية الدامية ولدت مدارس واحزاب التطرف الراديكالية والثورية والوضعية والفوضوية والسريالية والتكعيبية والدادائية وفيها احدثت المثلية شرخا عميقاً بالاعراف التقليدية لنظام الاسرة.
في تاريخ فرنسا نجد كل انواع التطرف وفي شتى مناحي الحياة، ففي تاريخ فرنسا امتلكت الكنيسة خمس الثروات الوطنية واستعبدت بالتعاون مع الملكية والنبلاء عامة الفرنسيين. وفيها حاربت الكنيسة مع الملكية الثوار الجمهوريين لعشرات السنين، ونصبت المقاصل حتى اعدم ستة آلاف سياسي بستة اسابيع، وترددت مقولات التطرف وسمع الجميع امنية جان ميسليير، الذي توفي قبل الثورة الفرنسية باكثر من نصف قرن وهو يقول " أهم أمنية في حياتي، هي أن يُشنق آخر ملك بأمعاء آخر رجل دين". 
إن الجدل والتلاسن هما الخبز اليومي للسياسيين والمثقفين والفنانين الفرنسيين، وبفضل "الكلامكية" اصبحت فرنسا مرتعاً للفنانين وملجأً للسياسيين وماخوراً للفاسقين. وقيل ان العاصمة باريس اصبحت عاصمة العالم، وكتب عنها الشيخ مصطفى عبد الرازق عام 1909 قبل ان يصبح شيخاً للازهر قائلا "باريس عاصمة الدنيا ولو كان للاخرة عاصمة لكانت باريس وهل غير باريس للحور والولدان والنيران والصراط والميزان والفجار والصالحين والملائكة والشياطين".
وفي باريس ولد اليسار واليمين (اليعاقبة والجيرونديين) وفيها ظهرت اولى الثورات الاشتراكية في العالم وهي كومونة باريس عام 1871 وأولى الثورات التحررية 1789 وتأسس فيها اول حزب راديكالي في العالم عام 1901 . وباريس اول عاصمة اوروبية تضع تمثال ابن سينا على بوابة اشهر جامعاتها السوربون وتفخر بتأسيسها عام 1935 أول مستشفى اسلامي فرنسي( Hôpital franco-musulman de Paris)‏  باسم مستشفى ابن سينا في شمال باريس. وفي فرنسا دعا معهد ابن سينا للعلوم الإنسانية بمدينة ليل دول الاتحاد الأوروبى إلى إدراج تعليم اللغة العربية فى المنظومات التربوية والتعليمية. 
وفرنسا كانت اول دولة اقام المسلمون علاقات معها فأهدى هارون الرشيد لملكها شارلمان ساعة مائية، وهي أيضاً أول دولة في العالم تعترف بها الدولة العثمانية، التي قسمت العالم الى دار حرب ودار سلام، فكل الدول غير المسلمة هي دار حرب الا فرنسا، فقد منحها السلطان العثماني لقب "دار الصلح" وارسل لها اول سفير عثماني عام 1720هو محمد افندي الذي سجل يومياته في فرنسا بكتاب اسماه "فرنسا جنة المشركين" 
 وأعلام فرنسا يعترفون بافضال العرب والمسلمين عليهم: ألم يقل فولتير عن الرسول الكريم""إن دينه حكيمٌ وصارم وطاهر وإنساني"، ألم يقل المفكر الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاداب اناتول فرانس في سيرته الذاتية إن اتعس ايام فرنسا هو يوم معركة بواتييه عام 732 م عندما تراجع العلم والفن والحضارة العربية امام همجية الفرنجة!! ألم يطالب وزير الثقافة الاسبق جاك لانغ في كتابه"اللغة العربية كنز لفرنسا" بتعميم تدريس العربية لكونها لغة الابداع الانساني.
سردنا كل ذلك ليس لتبرئة فرنسا من العنصرية التي عانى منها قبلنا الايطاليون والاسبان والبرتغاليون وليس لانكار ان هناك اسلامفوبيا في فرنسا اكثر من اي دولة أوروبية اخرى. ولكن لنذكر ان الساسة زائلون والشعوب باقية، وان اي عدوان ذي طابع ديني تكفيري او عرقي هو عمل ارهابي يقتضي الادانة. إن عرض معلم لرسوم مسيئة للنبي(ص) تستحق الادانة وليس الذبح. فمن علمني حرفا صرت له عبدا؟ وتقاليدنا تأمرنا كما قال شوقي بـ: قم للمعلم وافه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا، فكيف ندافع عن الرسول ونذبحه!!