د.نازك بدير*
في رحلة البحث عن الطمأنينة في هذا العالم المرتجّ، تمثل أمامك الخسارات، في لعبة الغياب الموارب، كأن تسأل نفسك من الهارب، لا بل من الميت؟ من الباقي، ومن الفاني؟ من الذي رحل، ومن الذي يصارع؟ هل من على قيد الحياة هو الحاضر الموجود، أم أن الذي رحل عنها هو الغائب الحاضر أبدًا؟ نراهم هنا، رائحتهم، أصواتهم، التفاتتهم، وقْع خطواتهم، أنفاسهم وهم نيام، عيونهم لا تزال مفتوحة على جزء من هذا العالم المقفل برتاج حديدي أمام أي أمل، ونحن ننظر إلى الحاضر بعيون زجاجية، لا شيء يمثل أمامنا سوى فراغ يتسع ليشمل أزمنة لم تأت، وأزمنة ولّتْ، يكبر المدى أمامنا ليعرّي الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة مهما بلغ بك الزمن، ومهما ارتفع سهم الضوء، في لحظة ما، ستهوي كأنك لم تكن.
بين ارتفاع السهم وانحداره ثمّة مسافة، جزء من لحظة لا مرئية في عين الزمن، قد يبقى شعاعها ثابتا وإنْ مرّ الوقت، يبثّ إشارات تسند العابرين في رحلتهم، منهم مَنْ يُحسن التقاط الومضة وأكثرهم يعجز عن ذلك، فيترنّح بين نقطتَي الارتفاع والهبوط.
وفي كلا الحالتين، يبقى الغائب هو الحاضر الأوّل والحاضر بالجسد غير مكتمل، هو المحتاج إلى(الآخَر) إلى قوّة ما، أو إلى (مكتمل) من خارج هذا العالم يسعفه، ليتنفّس بعد أن غمرتْه النوائب.
في حضور الغياب رعشة الوهم وقلق الفناء، حيث يتكثّف اللقاء في صحوة الحلم، وتتدفّق الأسئلة في زحمة الضّوء.
في طريق العبور، ثمّة صوت داخلي يرافق الجسد ليهديه درب الخلاص، حكَمَ البعض على نفسه ظلمًا، وبقي خارج منظومة السّلام الداخلي، ومنْ أخلص النيّة، عرَف الطريق.
لعلّ التأرجّح الذي يعيشه الإنسان اليوم، لا سيّما في العالم العربي نتيجة عدم الاستقرار، سواء أكان ذلك على الصعيد السّياسي أم الاقتصادي فإنه، بالإجمال، يجد نفسه حائرًا بين طرفَي السّهم، لا يملك حقّ توقيت الانطلاق، ولا تقرير الاتجاه، وكذلك لا يعرف نقطة البداية وإلى أين
المنتهى؟
في كثير من الأحوال، يلتبس الحضور بالغياب في المواقع التي تتطلب إدارة الأزمات فيكون الحاضر هو الغائب دائمًا، والغائب هو المطلوب أبدًا.
*أكاديميّة لبنانيّة