كشفت الرئاسة التركية عن وجود تفاهمات وخلافات في الوقت نفسه مع الإدارة الأميركية بشأن سوريا، بالتزامن مع تعبير أكبر الأحزاب السياسية التركية عن غضبها جراء توجيه الرئيس الأميركي تهديدا قويا لتركيا في حال شنها هجوما على التنظيمات الكردية المدعومة من واشنطن. ووسط هذه الأجواء تمسكت أنقرة بحبل التنسيق مع موسكو وطهران على أمل تقوية جبهة مقابل جبهة أخرى بواجهة خليجية تعيد تموضعها في سوريا من بوابات عديدة في مقدمتها الدبلوماسية والتمويل.
تفاهمات وخلافات تركية - أميركية
وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم عقب مكالمة هاتفية مع نظيره الأميركي، دونالد ترامب، أن تركيا ستنشئ منطقة آمنة شمالي سوريا، في واحد من سيناريوهات مطروحة لمنع الصدام بين تركيا والتنظيمات الكردية المسلحة.
وطرح إردوغان منذ أعوام إقامة مثل هكذا منطقة عازلة، لكن طرحه لم يحظَ بقبول أطراف الصراع السوري، حتى أعاد ترامب اقتراح “المنطقة الآمنة” هذا الأسبوع.
ورهن إردوغان إنشاء المنطقة الآمنة بـ”حال تلقينا الدعم المالي واللوجستي من واشنطن والتحالف الدولي”، مضيفا “يمكن أن تتولى شركة الإسكان التركية أعمال الإنشاءات في المنطقة الآمنة”.
وعبّر الرئيس التركي عن أمله بأن “نكون قد توصلنا إلى تفاهم مع ترامب. ترامب أكد لي مجددا في المكالمة الهاتفية قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا”.
وكان ترامب غرّد، الاثنين الماضي، على حسابه في تويتر “سندمّر تركيا اقتصاديا إذا هاجمت الأكراد. أقيموا منطقة آمنة بعرض 20 ميلا وبالمثل لا نريد أن يقوم الأكراد باستفزاز تركيا”.
وكرّر إردوغان، بدوره، تهديد التنظيمات الكردية بقوله “سندفنهم في حفرهم”، مشيرا إلى أنفاق حفرها عناصر التنظيمات داخل مدينة منبج ومدن سورية أخرى.
وعبّر الرئيس التركي عن حزنه لاختلاف مواقف أنقرة وواشنطن بشأن سوريا، مبينا “لماذا حزنا؟ لأننا حلفاء ستراتيجيون تسممت علاقتنا لأسباب عديدة وخاصة في عهد باراك أوباما”.وبدا إردوغان منسجما مع ترامب لولا “تغريدة التهديد”.
غضب الأحزاب التركية على ترامب
وعبّرت أحزاب الحكومة والمعارضة التركية عن غضبها من تهديد ترامب لتركيا.
ووصف نعمان كورتولموش، وكيل إردوغان في رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، تصريحات ترامب بأنها “مريضة تفوح بالجهل والتهور، وتصحيحها في أقرب وقت ممكن سيكون مهما للغاية على صعيد العلاقات التركية الأميركية”.
وقال كورتولموش، في حديث مع تلفزيون ÜLKE التركي، إن “تركيا شريكة للولايات المتحدة منذ سنوات في إطار حلف الناتو، وبالرغم من أن التعاون يتعرض لتوترات أحيانا فإن الاتفاق على الخطوط الأساسية يستمر”.
ورفض المسؤول الحزبي أن تكون المنطقة الآمنة “آمنة” للتنظيمات الكردية، في حين رفض دولت باهجه لي، رئيس حزب الحركة القومية المتحالف مع إردوغان، المنطقة الآمنة من الأساس، قائلا، أمام كتلة حزبه في البرلمان، إن “إنشاء هذه المنطقة وحظر الطيران في أجوائها، يعني إعلان منطقة حكم ذاتي، وهذا يصب في صالح الإرهابيين”.
وهاجم باهجه لي الرئيس الأميركي وهو يصفه بأنه “مضطرب يقضي ليله ونهاره في تويتر، وقد أعمت الكراهية عينيه”.
ورأى الزعيم القومي أن “الشراكة القائمة بين أنقرة وواشنطن منذ عشرات السنين دخلت غرفة العناية المركزة فور نشر تغريدة ترامب”، وأن “تحالف الناتو في غيبوبة”.
وانتقد كمال كلجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، ترامب على خلفية تهديده تركيا.
ورفض كلجدار أوغلو، في تجمع للتعريف بمرشحي الحزب لانتخابات بلدية العاصمة أنقرة، تهديد تركيا بـ”لغة بلطجية الشوارع”.
قمتان لتركيا مع روسيا / إيران
وأعلن إردوغان أنه سيعقد لقاء قمة مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في 23 من الشهر الحالي، وقمة بينهما ونظيرهما الإيراني، حسن روحاني، في موعد قريب، في إطار مسار آستانا.
وأشاد الرئيس التركي باتفاقات آستانا وسوتشي التي قادت لاتفاقات أجلت الفصائل المسلحة من مناطق واسعة من سوريا إلى إدلب، وأسهمت في استقرار الأخيرة، معبرا عن أمله بأن “تتحول إدلب إلى منطقة آمنة ومستقرة على غرار المناطق التي دعمناها”.
وأوضح إبراهيم كالن، المتحدث باسم إردوغان، أن زيارة الرئيس التركي إلى روسيا تهدف لتنسيق الوضع الناجم بعيد قرار الانسحاب الأميركي من سوريا.
وكان كالن يتحدث عقب اجتماع للحكومة التركية تناول بشكل موسع تطورات قرار الانسحاب الأميركي.
وجدد المتحدث الرئاسي رفض أي دعوة للامتناع عن شراء تركيا منظومة إس 400 الصاروخية الروسية مقابل شراء منظومة باتريوت الأميركية، مؤكدا أن تركيا تشتري ما تريده من تقنيات عسكرية من أي دولة تشاء ما دامت تخدم أمنها القومي وقدراتها الدفاعية.
واعترضت واشنطن أكثر من مرة على تعاقد أنقرة مع موسكو لشراء منظومة إس 400 بذريعة أنها تتعارض مع المنظومة الدفاعية لدول حلف الناتو.
وحتى في حال اتفاق تركيا والولايات المتحدة على إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري فإنها قد تصطدم بعقبات من أبرزها العقبة الروسية – الإيرانية، في حال لم تخرج قمتا إردوغان بموافقة بوتين وروحاني على المنطقة الآمنة.
إعادة تموضع وتقويض مصالح
ويقول جواد غوك، الباحث السياسي التركي، في حديث مع “الصباح”، إن “روسيا وإيران مقتنعتان بأن تدخل قوات الحكومة السورية إلى مدن في المنطقة الشمالية ومن أهمها منبج، وترجحان دخول هذه القوات على سائر الفصائل والتنظيمات”.
ومكّن الدعم الروسي والإيراني حكومة الرئيس بشار الأسد من استعادة السيطرة على مدن ومساحات واسعة من التراب السوري.
ويذكر غوك “في المقابل فإن تركيا تريد أن تدخل إلى مناطق شرق الفرات عبر منطقة عين عيسى وتل أبيض ذات الغالبية السكانية العربية، مع مواصلة الضغط لإخراج التنظيمات الكردية من منبج”.وزاد من تعقيد المقاربة السورية إعادة دول أخرى لعلاقاتها الدبلوماسية مع دمشق مثل الإمارات التي تناصب إردوغان الخصومة وتساند خصومه.
وتناقلت وسائل إعلام تركية مقربة من إردوغان على مدار أيام تقارير تفيد بزيارة مسؤولين سياسيين وأمنيين من الرياض وأبو ظبي للشمال السوري والاجتماع مع قيادات كردية مع حديث عن تمويل تنظيماتها المسلحة.
ويعلق الباحث السياسي بأن “الإمارات والسعودية ومصر وحتى إسرائيل تحاول إعادة التموضع في المنطقة على شكل جبهة لحفظ مصالحها أو دعم المصالح الأميركية وتقويض المصالح المناوئة لها وعلى رأسها التركية”.