كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة بنسلفانيا الأميركيَّة عن أن وجود المساحات الخضراء داخل المدن له علاقة بالحد من نزعة العنف والوقاية من نوبات الاكتئاب. وينعكس إيجاباً على صحة السكان عقلياً وبدنياً، كما يسهم في خفض معدلات الجريمة. وأكدت دراسة أخرى صدرت عن جامعة دنماركية أنه يندر أن يتعرض الأطفال الذين ينشؤون في وسط أخضر لإصابات نفسيَّة مع مرور السنوات.
كما أنَّ هناك دراسة أخرى لمنظمة الصحة العالمية شارك فيها أكثر من 8 ملايين شخص، أثبتت أنَّ المساحات الخضراء السكنيَّة يمكن أنْ تحمي من الوفيات المبكرة لجميع الأسباب، وعموماً تؤكد جميع الدراسات العلمية أنَّ وجود البشر بالقرب من النباتات يقلل من ضغط الدم ومن الشد العضلي الناتج عن التوتر ومشاعر الخوف والغضب.
ولو أردنا ذكر كل الدراسات العلميَّة التي تؤكد أهمية وجود المساحات الخضراء في المدن وتأثيرها النفسي لاحتجنا الى مساحة أكبر بكثير من هذا المقال.
يكفي أنَّ كل مدن العالم تحوي مساحات خضراء كبيرة حول الأحياء والمباني وعلى جوانب الشوارع الرئيسة وحتى داخل المنازل، وتكون المساحات الخضراء تعادل حجم المباني والمنشآت أو أكثر منها.
لكنْ لماذا أخذت بغداد تفقد حزامها الأخضر وتفقد مساحاتها الخضراء يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام؟
كانت الحديقة المنزلية شيئاً أساسياً في بناء البيوت لدى العراقيين، واليوم أصبحت الحديقة المنزلية من الماضي.
وذلك يعود الى الارتفاع الجنوني لسعر المتر المربع الواحد للمنازل في مدينة بغداد وتضاعف أعداد السكان، وهذا أدى الى تقسيم المنازل الى قطع صغيرة بعضها لا يتجاوز (الخمسين متراً) ثم الى تقلص المساحات الخضراء تدريجياً الى أنْ اختفت بشكل نهائي.
الساحات العامة أيضاً تحولت الى كراجات أو مشاريع تجاريَّة أو الى السكن حيث ظهر مفهومٌ جديدُ هو السكن الزراعي!.
وهذا يعني تحويل المساحات المزروعة الى قطع سكنية وبيعها للمواطن لغرض بناء وحدة سكنية، والمواطن مضطر للسكن الزراعي لعدم تمكنه من امتلاك وحدة سكنية في بغداد بسبب كلفتها الباهظة.
وهكذا تضاعفت الوحدات السكنية واختفت المتنزهات والساحات الخضراء والحدائق العامة والبساتين التي كانت تنتشر حول وفي داخل بغداد التي اشتهرت قديماً بأنها مدينة البساتين. واليوم وبعد أنْ اختنقت بغداد بالمباني العشوائيَّة لماذا لا ينتبه المعنيون الى هذه المشكلة؟ لماذا لا تبادر وزارة الزراعة وأمانة بغداد ووزارة الإسكان والجهات الأخرى الى حملات كبرى للتشجير وإقامة متنزهات جديدة وزراعة كل المساحات الفارغة وتشجيع المواطن على الزراعة في المساحات الفارغة من منازلهم وتزويد المواطنين بالشتلات وبيعها بأسعارٍ زهيدة. وأيضاً من الأهمية أنْ تقوم الجهات المختصة بحملات توعية واسعة تشجع على الزراعة وتبين دور وأهمية المساحات الخضراء من النواحي النفسية والصحية والجمالية والعمرانية قبل أنْ يزداد اختناق بغداد يوماً بعد آخر، وتتحول الى مدينة غير صالحة للعيش بسبب اختفاء المساحات الخضراء وتزايد أعداد السكان والمباني فوق الطاقة التحملية للمدينة.
فتفقد بغداد لونها الأخضر وتتحول الى لون الاسمنت والحديد وهي الألوان التي تضاعف الضغط النفسي والتوتر وتزيد من حجم المصاعب على الناس الذين إذا ما استمر زحف الاسمنت على الأشجار سوف لن يجدوا مساحة للتنفس وتفقد المدينة ملامحها الجميلة.