حرب اللقاحات وتسابق الدول

آراء 2020/11/22
...

 ميادة سفر
لم يتمكن فيروس كورونا من توحيد الجهود لإيجاد علاج أو لقاح أو حلول أياً تكن للقضاء عليه أو الحد من انتشاره، وحتى تعليمات وتوجيهات منظمة الصحة العالمية التي من المفترض أنها تضم معظم دول العالم، لا سيما الكبرى، والأكثر تطوراً علمياً، لم تنجح في جذب أعضائها إلى جبهة موحدة في مواجهته، بل إنّ الولايات المتحدة الأميركية بدأت بالتشكيك بالمنظمة واتهمتها بالتواطؤ من الصين والتعمية عليها، وهدد رئيسها ترامب بالانسحاب منها وتجميد التمويل الأميركي لها.
تحولت مكافحة الفيروس إلى ما يشبه الحرب بين الدول الكبرى، من اتهامات بتصنيعه ونشره، وصولاً إلى السعي الحثيث لتحقيق السبق في إنتاج علاج أو لقاح مضاد له، لا سيما بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، فكان أنْ سارعت كل منها بحشد علمائها وأطبائها المختصين لتوفير اللقاح اللازم بأسرع وقت ممكن، علها تتربع على عرش العالم كمنقذٍ للبشرية من الفناء.
كانت البداية من روسيا حين أعلن الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً إنتاج أول لقاح أطلق عليه اسم «سبوتنيك 5» وأخضع ابنته لتجربته أمام عدسات الكاميرات، وتالياً أميركا التي أعلنت مؤخراً شركة «فايزر» الأميركية مع شريكتها الألمانية «بيونتك» عن لقاح أثبت فعالية 90 % في تجربته الأولى، ترافقت تلك الإعلانات مع تقاذفٍ للتهم والتشكيك من قبل كلا الدولتين بشأن سلامة لقاح كل منها، في ظل انتظار بقية دول العالم لأي بارقة أمل تزيح عن كاهلها عبئاً أرخى بظلاله على مختلف مناحي حياتها، تاركاً آثاره السلبية خصوصاً على الاقتصاد الذي أنهك في الكثير منها.
في حرب اللقاحات التي تتنافس فيها الدول الكبرى يغدو الإنسان في عرفها مجرد فأر تجارب، في ظل عدم وجود معطيات وتطمينات وتأكيدات عن مدى قدرة هذا اللقاح أو ذاك على إكساب مناعة ضد الفيروس، وبشأن مدة فعاليته الزمنية، وحتى قدرته على الحد من انتقال العدوى، وغيرها من أمور تمس السلامة الشخصية للإنسان بشكل مباشر.
كلّ ما يهم تلك الشركات المدعومة من قبل حكوماتها هو تحقيق الأرباح التي ستنهال عليها كما انهالت طلبات الحصول على لقاحها الجديد، من دون أي اعتبار لأي دافع إنساني، أو مراعاة للظروف الاقتصادية للدول الفقيرة التي لا بدّ ستكون عاجزة عن شراء كميات تغطي تعداد سكانها، الأمر الذي ينبئ باستمرار انتشار الفيروس في كثيرٍ من البلدان.
ففي الوقت الذي ستعقد فيه الشركات الروسية والأميركية صفقات بيع للقاح الجديد، سيموت الآلاف من الأفراد من دون أنْ يتمكنوا من إيجاد جرعة أوكسجين.
فإنْ لم تبادر منظمة الصحة العالمية إلى أخذ الدور المنوط بها عالمياً، والعمل على إيصال اللقاح إلى كل الدول التي تفشى فيها الفيروس بأسعار مقبولة أو حتى مجانية، فلا أمل في التخلص منه أقله في المدى المنظور، وسيبقى التعويل على الإجراءات الوقائية الشخصية، التي وللأسف ما زال الكثيرون في بلادنا يأخذونها بكثير من الاستخفاف والاستهزاء.
ـ