علي شايع
"سأجعل لكلّ عراقي قصة !" قالها مجرم متجبر تجبّر الطغيان والفرعنة، وهو يفتك بأعمار أجيال تعاقبت قالها، بهاجس الحرب ووهم البطولات العروبية ومعاركها الخاسرة. ومضى الى قعر اللعنة الأبدي ليورثنا ركام الدولة ورعب آلاف القصص المنسية خارج التوثيق والتدوين. حكايا تحتاج جهداً أدبياً وفنياً-مدعوماً- لتكون شاهدنا على معجزة البقاء في ذلك الزمن الفاجع، ولتمنح الإبداع رصيداً ثراً من التجارب
الإنسانية؟!.
خبران فاجعان وراء هذه الكتابة، الصلة بينهما ستعرفها القلوب الزاخرة بالرحمة، وسيعرض عنها من نتمنى إعراضه أصلاً!: الأول عن رحيل شاعر كبير لم يفرش كلماته لأسواق نخاسة المواقف، يوم كان المديح الكاذب يبني القصور، ويمنح
الهبات.
شاعر من طراز فريد، يفرّ نحو البوادي للعزلة سنوات طويلة، هرباً من الطاغية المدان ونظامه، ليكابد وحيداً مصيراً صعباً، ويصير نسياً منسياً، بالكاد يتذكرّه الأصدقاء، وبعد نهاية جور تلك الأيام وكابوسها، تدور طواحين زماننا على جحود وإنكار جديدين، فلا يجد الشاعر منفذاً ليعود من غيابة تلك الصحراء وجبّ وحشتها. يقول تعلمت من نبات الصحراء التكيّف للصبر والتحملّ. ولكن جسد شاعر رقيق بالكاد يعبر السنوات، فالنفوس العظام تتعب في مرادها الأبدان، وسرعان ما تهالك جسده نهباً للعلل والأسقام، إذ عاش حبساً طوعياً طويلاً في بادية السماوة، وأفنى دهره عفيفاً، فالسجن أحبّ وأهون عليه مما دعوه
إليه.
محسن الخياط شاعر شعبي مهم بصدق ما أوتيت المقاصد. شاعر خارج أفق اللغة، حين يطوّع شعبيتها بروح عالية لتأسيس أسلوبه الخاص وفرادته العميقة، وبأسرار كثيرة يكشفها جدل حياته، نثاراً من البوح.
لو كان ضمن الجيوش المكرهة على حروب الطاغية، ربما صار جزءاً من خبر آخر نقله لي صديق عزيز اليوم، أبلغته وزارة الدفاع بالعثور على رفات أخيه المفقود خلال الحرب العراقية الإيرانية ضمن 147 رفاتا وجدت
أخيراً. الخبران تلقيتهما في ساعة واحدة، رحى حزن عراقي ثقيل طحنت سنواتنا بترويع السؤال المرّ: لم كلّ ما نلقى وما نجد، و"على مال من" عذاب أرواحنا، كما يلوع مغني ريفي
قديم؟!.
رحل فقيد الكلمة في بيت أخ له في الشعر؛ النبيل الوفي الشاعر غايب
السماوي.ـ