سعد العبيدي
ليس المقصود في الحشر لأغراض هذا المقال، ذلك المفهوم الديني لاجتماع الخلق يوم القيامة، ولا الموت والهلاك دلالة وردت في القرآن الكريم، بل هو اقحام الفرد أو الجماعة في موضوع أو حدث، وهو أيضاً التدخل في أمر ما لم يكن واجباً التدخل فيه، سلوك لو جاز لنا تعقب مديات وجوده في السلوك الفردي والجماعي العراقي العام، لتبين وجود مؤشرات على وجوده واضحة ملموسة، حتى عم الوصف أو التوصيف له سلوكاً شائعاً بكلمة
(حشري).
الكلمة التي اختزلت المعنى السلبي لهذا السلوك غير المرغوب اجتماعياً، ويبدو من خلال التعقب أن الحشرية قد نمت في المجتمع العراقي وتوسعت بدرجة سمحت لها دخول عالم السياسة، فصار القوم في هذه البلاد يحشرون انوفهم في أغلب المواقف والأحداث، يتحدثون بالتفاصيل، يحللون المخفي ويفتون بما سيؤول المستقبل، حتى قربونا من حافات التيه في كثير من الأحيان، ولكي نكون قريبين من هذا التفسير، لنأخذ مثالاً واحداً من بين آلاف الأمثلة عن وقائع حصلت في العراق، هو ما سمي بالاستثمار، الذي قيل عنه زراعة ومشاريع تصنيع زراعي لصحراء المثنى والانبار من قبل الشركات السعودية، والذي سارع القوم للكتابة عنه نقداً وتفصيلاً وتأثيراً على الاقتصاد والأمن القومي، وسارع بعض من القوم، أولئك الذين يعتقدون لهم حقوق الاحتكار السياسي للقرار أو الوصاية عليه الى التهديد والوعيد، حشرٌ غير مسبوق أصاب عقل المتلقي بالحيرة والنشوز، وتبين في ما بعد أن الموضوع مجرد مشاريع تحت الدراسة، وإن الدراسات الأولية أشارت الى مصاعب الاستثمار الواسع، لعدم ضمان توفر المياه لخمسين عاماً وضعها المستثمرون حداً لنجاح الاستثمار، ورغم هذه الحقيقة بقيَّ البعض يقحمون أنفسهم حشراً ويتكلمون عن الموضوع حسب أهواء السياسة، الأمر الذي سيعق بناء هذا البلد بالشكل الصحيح.