قراءة: قحطان جاسم جواد
عن دار ومطابع الأديب في عمان، صدر للكاتب سعدون الجنابي، كتاب تراثي بعنوان "رحلة في ذاكرة شارع الرشيد" يقع بـ 190 صفحة من القطع الكبير. وبغلاف جميل زينته لوحة فوتوغرافية بالأبيض والأسود للفوتوغرافي المبدع لطيف العاني.الكتاب عبارة عن رحلة تراثيَّة وتاريخيَّة وجغرافية لأقدم شارع في بغداد وهو شارع الرشيد الذي شهد الكثير من الأحداث السياسية والتاريخية والفنية والصحفية. وعاش فيه الكثير من النخب الاجتماعية العراقية
والأجنبية.
وقد سجلها مؤلف الكتاب الجنابي بدقة لأنه ابن منطقة المربعة، وفيها تصوير دقيق للعديد من الأماكن التي عاش ودرس في مدارسها وزار مواقعها. كما أشار الى معمارية هذا الشارع وما يضمه من تحف فنية معمارية بعضها اندثر والبعض الآخر ما زال شاخصاً، كسوق الهرج وجامع الحيدرخانة وجامع السيد سلطان علي والسينمات وبناية اورزدي باك، التي تعد أول مول بمعنى المول اليوم، وكان يوفر الكثير من البضائع العراقية والأجنبية لا سيما الانكليزية.
كما تناول القشلة ومبنى الحكومة فيها، وشربت زبالة الشهير الذي يعدُّ من معالم الشارع الذي بقي في ذاكرة البغادة.وعرج على مكتبة مكنزي الشهيرة ودورها في الحركة الثقافية. وتحدث عن سوق الصفافير الشهير الذي كان قبلة للزوار العرب والاجانب، كيف اضمحل دوره حالياً. كما تناول حلاق الزعيم اسطة حسن أبو نعمة الذي كان الحلاق الخاص للزعيم الراحل عبدالكريم قاسم، الذي تتصدر صورته بحجم كبير محل الحلاقة وعليها توقيع الزعيم بخط يده. كما تحدث المؤلف عن خاله "عبدالرحمن الجنابي" تاجر التبغ والسكائر العربية والاجنبية، وصديق الزعيم وتوفي بعد ثورة 14 تموز 1958 وحضر الزعيم وفاته. وعدد ارقام السيارات واسماء اصحابها التي كانت تمر يوميا من شارع الرشيد. وهي سيارة رقم (1) لصاحبها السيد حاج سليم مدير الشرطة العام، وهو والد الفنان الشهير جواد سليم. وسيارة رقم (2) لجورج لمبديني. وسيارة رقم (3) لعلي جودة. وسيارة رقم (4) لنشأت السنوي. وسيارة رقم (5) لفخري الطبقجلي. وسيارة رقم (6) لجميل المدفعي. وسيارة (7) لشهاب الدين الكيلاني. وسيارة (8) لجلال بابان. وسيارة (9) لرشيد عالي الكيلاني.
في رحلة الذاكرة هذه يعرج الجنابي على أهم وأشهر الأطباء في شارع الرشيد أمثال: توفيق رشدي وهاشم الوتري وسامي سليمان ومكر دانيال وأولاد القيماقجي (احسان واكرم وانور) الذين كانوا أطباء في الاشعة والجراحة والولادة. ولمعان البدري وزليخة الاسدي وعلاء البكري وغيرهم. كما تناول أشهر العمارات في الشارع مثل عمارات (الدامرجي وناجي الخضيري وعبد الكريم الازري والباجه جي وصادق النجفي والراوي. ومسعودة شمطوب). من المحلات المطلة على الشارع يذكر (السور والميدان والقرة غول والحيدرخانة والكولات والعاقولية والطاطران وباب الاغا وجديد حسن باشا وفرج الله وحنون الكبير والمربعة والقشل والتكية والعمار وقهوة شكر
وغيرها).
كما يشتهر الشارع بكعك السيد ذائع الصيت الذي ما زال صيته حاضراً بيننا. وكان الشاعران الشهيران (الرصافي والزهاوي) من أبرز رواده وقالوا فيه شعراً جميلاً.
الرصافي قال:
يالذتي تجددي باكل كعك السيد
لنكهة تعرفها كل بيوت البلد
في حين قال عنه الشاعر الزهاوي:
كلما فكرت بالكعك اشتريت كعك السيد احلى ما اشتهيت
طيب النكهة حلو طعمه ولذا لم يخل منه قط بيت
ويعود تاريخ تأسيس محل كعك السيد الى ما بعد بدايات تأسيس شارع الرشيد في العام 1916 بسنوات قليلة وكانت الأسر البغداديَّة (تتعنى) إليه لشراء الكعك.
كما تناول المؤلف اليهود وتجارتهم وبيوتهم في شارع الرشيد، وعرج على شارع النهر أو شارع البنات والعرايس حيث كان موئلاً لكل فتاة تتزوج وتتجهز من مستلزمات العرس والزفاف.إنه كتاب ممتع يعيدنا الى الكثير من الذكريات التي ما زالت طرية في أذهان الناس.