تعمدت أنْ يكون عنوان المقالة محايداً لا ينم عن تفاصيل, ذلك أنَّ المادة الوثائقية الحياتية الضاجة والموجعة التي سردتها المؤلفة منى سعيد الطاهر في كتابها السردي المؤلم تحت عنوان (جمر وندى) يبوح بالجمر وذكرياته أكثر بكثير من الندى الذي يصيب الحياة ويمر بالعراق..

 أحياناً.

هذا الكتاب سياحة في التاريخ الشعبي العراقي الحديث وتفاصيله المثقلة بالألم والوحشة والغربة الحياتيَّة ولعنة التوجه الدكتاتوري الذي وقعنا أسراه طيلة أربعين عاماً, حيث ازدادت حياتنا شحوباً وخسارات.

بعضنا خسر استقلاله الفكري وبعضنا خسر حياته أو حيوات أهل له وأصدقاء, والسيدة منى سعيد التي عرفت بقدرتها الفائقة على الصبر واحتمال المحن والكوارث الضاجة التي أحاطت بحياتها لم تكن تبدو كذلك في مظهرها الخارجي وتعاملها مع البشر كصحفيَّة ناجحة وإنسانة مجتمع يحترمها من يعرفها ويقدر قدراتها المعرفيَّة.

كتابها هذا (جمر وندى.. فصول من سيرة ذاتيَّة) يحكي رحلة حياتها مع الألم والنجاح والأزمات السياسيَّة التي أحاطت بها وهي بعد شابة في مقتبل العمر تخرجت في كلية اللغات قسم اللغة الألمانية وعملت في الكثير من الصحف والمجلات طوال حياتها العاصفة التي بدأت بالعمل في الصحافة اليساريَّة في السبعينيات ثم غادرت العراق الى الخليج العربي للعمل في الصحافة

 هناك.

كان سفر منى سعيد اضطراراً بعد إعدام زوجها الشهيد سامي العتابي من قبل النظام السالف مع مجموعة خيرة من الشباب الشيوعي والمعارض لنظام البعث, وكان عملها في الخليج ورعاية ابنتها الوحيدة قد وضعها في بؤر من النجاحات الصحفيَّة مقابل مجموعة متتالية من آلام الخوف الدائم من الفصل الكيفي وسرقة جهودها من قبل متنفذين.

كانت عودة منى سعيد الى بغداد اضطرارا لتسوية وضعها الاجتماعي والسكني وتأمين استقرار حياتي لوحيدتها وسط تقدير واحترام الأسرة الطاهريَّة والأصدقاء الذين وقفوا معها في محناتها (ولا أقول محنة 

واحدة).

كتاب منى سعيد هذا إسهامة في رسم الواقع الاجتماعي لأسرتها الكبيرة في الحلة وبغداد ومعاناة هذه الأسرة مع سائر الأسر العراقيَّة التي اكتوت بنيران الحصارات والحروب, وهو سجل موصوف يكشف عن توجهات المثقفين وإطلالة على حيواتهم المثقلة بالتعب والمعاناة وهو وثيقة تاريخيَّة وصحفيَّة صادقة

 تماماً.