بغداد: فولوكلور
يقف المشاهد المتفحص إزاء لوحات الفنان العراقي الماهر فيصل لعيبي موقفاً محاطاً بالدهشة مع ضرورة النظر الى اللوحة الفولوكلورية الفيصليَّة على أنها لوحة لا تطابق الواقع ولا تستنسخه, بل تأخذ من أجوائه ومناخه وتضيف إليه من فكر الفنان ما يزيدها تألقاً وخروجاً عن رتابة المألوف.
إنها رسوم ديناميَّة تستنطق الواقع الشعبي لكنها لا تطابقه، بل تنهل من فكر فيصل وطاقته التخيليَّة الكبيرة ومن ثقافته الكبيرة واغترابه واحتكاكه بالتجارب العالميَّة الكثير.
لم يعد (الأوتجي- المكوي) الشعبي هو الذي نعرفه, بل خرج به فيصل الى آمادٍ جديدة مختلفة، فالزنار الملون يشي ببغدايَّة الصانع الشعبي لكنَّ الوسامة ونظافة الصورة وتألقها تشي بالكثير من التغيير غير التلقائي.
وإذا تأملت الكتلة العامة للوحة (المقهى) لوجدت نوعاً من تراتبيَّة جلوس غير مألوفة للرواد, وحركة في مستوى النقاش والسكون, بينما كانت لوحة الفرقة الموسيقيَّة الشعبيَّة العراقيَّة محافظة على ذلك الانسجام بين الشخوص مع تنوع الآلات بالضرورة وتجسيد باهر للضوء المرن الذي يحيط بفكرات الرسمة ويضع عناصرها في هارموني تراه موحداً تارة ومتشظياً تارة أخرى، وتلك مزية من مزايا عمق تجربة لعيبي.
في لوحة الطير والعصفور والصبي يثير فيصل دهشة المتلقي وهو يستذكر أبيات الشعر وتفاصيل الحكاية الشعبية المؤلمة, لكنه لا يكرر الحكي الدرامي تشكيلياً، بل يقطع على المتلقي الطريق بفتح آفاقٍ الحرية المأمولة للطير معلقاً بالخيط الواهي الذي يمنعه من الحرية.
لوحات: الحلاق الشعبي وبائع القماش والخياطة وبائع الرقي وغيرها تستحق أكثر من وقفة للتدليل على عمق تجربة فيصل لعيبي ومرونتها وقدرة هذا الفنان الكبير على تطويع الصورة الفولكلورية للمهنة الشعبية وتجسيدها ضمن ذهنية لعيبي ومجساته الثقافية الكبيرة.
هنا لا بُدَّ لنا من الإشارة الى وجوه الشخوص المجسدة للمهن الشعبيَّة، ذلك أنك تجد أنَّ معظم هذه الوجوه تجسد وجهاً واحداً وقامة واحدة هما وجه وقامة فناننا الكبير...
دون سواه.