الذاكرة كهوية وطنية

آراء 2020/11/25
...

 كاظم لفتة جبر

 
 
إذا أردنا تعريف انفسنا وماهية هويتنا التي تجمعنا تذهب أذهَاننا إلى ما هو جزئي يفرق بيننا، إذ ظهرت هويات عرضية تعبر عن جوهرنا، فبعد القبيلة و الطائفة والحزبية، طفت فوق مياهنا معاني جديدة، ظنها البعض ثمراً للتغير ما في الآنفس، منابعها الجِيران وثمرها الشُبان، فالهوية كما يعرفها الفيلسوف الفرنسي فولتير أحد الممهدين للثورة الفرنسية هي ما تجعل الإنسان هو نفسه، إذ هي الأنا التي تكون نواة الجماعة، وتمحور نُظم جمعها، وسر قوتها، فالهوية بهذا المعنى هي وحدة الشخص أو الجماعة،  اي ما يجعله هو هو، ويجعله مطابقاً لذاته، وهو ما يمنحه استمرارية في الزمن، فهي تخص الشخص والجماعة على 
سواء.
ويثير مفهوم الهوية عدة اشكالات تتعلق بمعايير تحديدها، ومرجعياتها، وموقعها بين الوحدة والثبات، والتعدد والتحول، وبما ان الانسان يتكون من خصائص جوهرية كالنفس، وعرضية كالجسد، لذلك يميز الفيلسوف الأميركي البرجماتي وليم جيمس بين ثلاث ابعاد للهوية الجسد والفكر والوضع الاجتماعي، فهل كل ما يفعله الانسان بحكم ظروف عمله، أو بيئته المحيطة يتسق بالفعل مع هويته الشخصية؟.  
و بحسب الفيلسوف الفرنسي جون لوك، الذي يرى ان الخصائص الاساسية لا تستمد من الجسد وما يقوم به من أعمال، بل ما يشكل هوية الانسان هو وعيه . لذلك يرتبط وعي الانسان بالوضع 
الاجتماعي.
اذ ان هوية الانسان تتشكل بسبب ارتباطها بالذكريات، التي يقوم عليها الوعي بتسجيله في لحظات مختلفة، يبني الفرد هويته في البيئة المحيطة به على اساس غير مصرح به خاضع للذاكرة، وعلى اساسه تبدأ العلاقات في التشكل، فنجد جميع الافراد تتكون هوياتهم وفقاً لعدة عوامل مكتسبة، وتفاعله مع مجتمعه المحيط هذا بحسب نظرية عالم الاجتماع اميل دوركايم، اذ ان الذاكرة تمثل وعاء الفرد، والمجتمع، وكل ما مر على الافراد من حروب، وحوادث هي التي شكلت وعيهم، فذاكرتنا كونتها أحداث الماضي وقساوته، والم التغيير ومرارته، وتوجسنا ضياع المستقبل، لعدم إنشاء هويتنا، فالهوية العراقية مغلقة وسجينة، كما لو اننا ندور في دائرة غير متناهية، تنظر لذاكرة الماضي كمستقبل، أو كسجين ينتظر أملاً مع تبديل مدير السجن، هويتنا تتحكم بها ثلاثة جدران القبيلة، والطائفة، والحزبية، والوطن كشباك يجعلنا ننظر إلى خارج، فهويتنا ذاكرة سجين اعتاد ملاقاة تلك الجدران يومياً.
 لذلك لا فائدة من التغير في الخارج ونحن سجناء في ذاكرتنا، اذا اردنا هوية لوطننا لنخرج من حطام الذاكرة لبناء هوية خاضعة لصيرورة تفاعلية متجددة بحسب فهم الفيلسوف ماكس فيبر للهوية المجتمعية.