علي المرهج
الفلسفة التي يتغنى كل من يعرف منها شيئا أو أشياء يُحتفى بيومها العالمي في منظمة اليونسكو منذ عام 2002 الذي أقرّت فيه هذه المنظمة ميلاد يوم للفلسفة سُميّ بـ "اليوم العالمي للفلسفة".
لا أكتب مدونة اليونسكو حول أسباب تبنيه، ولكنني سأكتب ما شعرت به عن يوم الفلسفة!، والذي أعتقده بمثابة الدعوة للتمهيد لقبول التفكير العقلاني الواعي الذي لا يحتاج ليوم، بقدر حاجتنا له يومياً.
ولكن ـ بحسب ظني ـ أن منظمة اليونسكو شعرت أن الفلسفة في خطر، وأن الفكر الفلسفي أوشك على الأفول، على الرغم من أنه كان في قديم الأزمان والماضي القريب سبباً أساسياً من أسباب نهضة الشعوب والأمم، لاسيما الشعوب الغربية التي كتب فلاسفتها منذ الفلسفة اليونانية إلى يومنا هذا، صفحات مشرقة في تاريخ الوعي الإنساني وتنمية العقل، بما يجعل الإنسان أصلا في صناعة الحياة وتطور العلوم، ولا أستثني الفلسفة الإسلامية التي قدمت للبشرية رؤى خدمت التنوير الأوروبي ونهضته الفلسفية والعلمية، فكان ابن رشد ومن قبله الفارابي وابن سينا، وحتى الغزالي جسوراً فكرية وعلمية خدمت أوروبا للعبور وتجاوز تخلفها.
يكفي الفلسفة فخراً أن كثيراً من المتدينين المُدّعين والمثقفين المتحذلقين يدعون وصلاً بها، وهي تنأى عنهم وتتنكر للصلة بهم.
الفلسفة فضاء (الوعي المسؤول) رحبة ينتمي فلاسفتها لفضاء المعرفة الرحب.
هي بحث عن الحقيقة وليس ادعاء لامتلاكها، وكل فلسفة أو اتجاه فلسفي ادعى فلاسفته بأنهم أمسكوا بالحقيقة، فتأكد أن هؤلاء من المُدّعين، لأن ميزة الفلسفة البحث عن الحقيقة، والبحث عن سبل (عقلية) أو (تجريبية) للوصول إليها، والأجمل في الفلسفة والأفضل أن فلاسفتها يسعون لصناعة (عالم أفضل)، وقد كتب (برتراند رسل) كتاباً على وفق هذا النحو، وتبعه كارل بوبر في البحث عن (عالم أفضل)، وكلمة الأفضل تعني محاولة الاقتراب من الحقيقة لا الادعاء بامتلاكها.
يوم الفلسفة العالمي إنقاذ للفلسفة وتذكير لأهميتها في الحياة، فإن كُنت مثالياً حالماً وفرّت لك الفلسفة فضاءً رحباً لمقبولية أفكارك سواء أكنت فيلسوفاً مثالياً أم شخصاً حالماً بقيمة الفلسفة المثالية، بوصفها تعبيراً عن أفق الرحابة والتعبير الحر للتفكير العقلاني، ولك الحق في الاختلاف في ان تكون واقعياً أو مادياً أو تجريبياً لتجعل من الفلسفة منهجاً لك لرؤية معرفية تستند فيها للواقع الذي يمنحك حق التنقل المعرفي في فضاءاته المعرفية من الموجود إلى الوجود، أو من الواقع
إلى المثال.
لنقل إنك من دعاة الفلسفة الواقعية، لاتحتر، ففي فضاء الفلسفة بوصفها بحثا عن الحقيقة مضمار لمبارزتك العقلانية ومباهلاتك التجريبية، لتكشف عن عقم الفلسفة المثالية، أو لتبين مآخذك عليها، ومكامن الضعف فيها، ولك حق نقدها وتقويضها، ولا خوف يعتريك ولا وجل، فهي فكر إنساني يليق به النقد ويجليه، بل وتتبلور جوهريته في النقد.
لا تخش من الفلسفة والفلاسفة، فهم أناس وبشر حالهم كحالك لا يمتلكون (مفاتيح الغيب) ولا (مفاتيح الجنان) ولا (مفاتيح الحقيقة).
لا تحسبهم سوى طالبي علم يأملون بالوصول للحق عن طريق (البرهان) ولا يقسرون آخر لاعتناق منهجهم، لأنهم يقولون ويتأولون، وقد يكون في القول والتأول رؤية مضادة وقول آخر وتأويل آخر، فلا يوجد في الفلسفة مُقدس تخشاه، وانتقد العقل ذاته، بل انتقد فلاسفته، وشكك بمقولات سقراط وافلاطون ومن تبعهم إلى يوم الدين وقُلّ عنهم أنهم لا يستحقون الحياة ولا تخش، فهم أناس مثلك لا يطالبوك إلا بما طالبوا به أنفسهم، وهم في قرارة تفكيرهم يحتملون الخطأ، ويعتقدون بأن الإنسان كائن خطاّء.
تُعلمنا التفكير خارج هيمنة منظومة التقديس والتفكير، وتدعوك لقول عقلاني لا تشترط على الآخرين التساوق معه، ومن يختلف معك إنما هو تأول واجتهد على قاعدة لكل مجتهد نصيب، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.