د.قيس العزاوي
قد يبدو هذا العنوان غريباً للمهتمين بشؤون الشرق الاوسط، والمتفائلين خيراً بازاحة المهووس ترامب من الرئاسة الاميركية ووصول الحكيم بايدن، فكل ما احدثه الاول من كوارث سياسية، سيحاول الثاني اصلاحها وانتهاج سياسة غير تلك، التي يتوقعها الكثير من المراقبين العرب، وسوف نأخذ كمثال على ما ندعيه التوجهات التركية المخالفة للسياسات الغربية وحلف الناتو والردود الاميركية المتوقعة عليها.
يعتقد الكثيرون ان اميركا بايدن ستقوم باخضاع السياسة التركية، لكثير من الضوابط التي اهملها ترامب وستضع امام تركيا اردوغان خيارات في اطار التحالف الاطلسي وشروطه، فلن يقبل بايدن ان تقوم تركيا بالضرب عرض الحائط بصلب المسائل الامنية والسياسية والاقتصادية المشتركة مثل:
• الوقوف بعناد مع التيارات الاسلامية في فلسطين ومهاجمة التطبيع، وتقريب المسافة السياسية مع ايران في المسالة الفلسطينية، وفي مسألة كسر قيود العقوبات الاقتصادية الاميركية على
ايران.
• الاصرار على تعميق خلافات تركيا اردوغان مع قادة دول الاتحاد الاوروبي
• المضي قدماً في تسليح تركيا من قبل اعداء الغرب مثل روسيا (اقتناء تركيا مؤخراً أنظمة الدفاع الجوية الروسية صواريخ أرض/جو إس-400 ) ومن الصين(اختيار نظام الدفاع الصاروخي آف – دي -2000 الذي تنتجه شركة تشاينا بريسيجن
الصينية).
• استمرار الخلافات الثنائية الحادة بين تركيا واميركا حول سوريا وتوغل تركيا في شمال شرق سوريا وتحديها للحماية الاميركية للاكراد.
• تحول تركيا اردوغان من قوة ناعمة في المنطقة الى قوة عسكرية غاشمة والافراط في استخدام السلاح وبناء القواعد العسكرية.
• اعتماد تركيا تكنولوجيا الجيل الخامس من شركة «هاواوي» على الرغم من تحذيرات
واشنطن.
• التحديات التركية لكل من اليونان وقبرص اعضاء الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي، وارسالها سفنا حربية تركية ترافق سفينة التنقيب عن النفط التركية في شرق البحر المتوسط .
ونظراً للأهمية القصوى لتركيا في الستراتيجية الاميركية، ولكونها صاحبة ثاني اكبر جيش من الناحية العددية في الحلف الاطلسي، ولكي لا تسقط تركيا في شراك موسكو وبكين، ولاحتمالية تحالفها مع ايران ضد اسرائيل، ولامتداداتها الاقتصادية في المنطقة العربية، ولأنها صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، حيث يبلغ «ناتجها المحلي الإجمالي» 750 مليار دولار. لكل ذلك فإن الاجهزة الاميركية المعنية ستعمل
على:
• غواية تركيا مادياً بتسخير دوائر المال الاميركية والاسرائيلية بتخصيص استثمارات وتوظيفات مصرفية، لاغنى عنها في تركيا من اجل إعادة التقارب التركي الاسرائيلي.
• لمتانة علاقات بايدن الاوروبية سيدفع حلفاءه الاوروبيين الى ممارسة الضغوط الاقتصادية والتلويح بتخفيض الاستثمارات الاوروبية، التي بلغت اكثر من 70 بالمئة من الاستثمارات الاجنبية في
تركيا.
• قطع الطريق على تمتين علاقات تركيا بروسيا باشعال وتيرة الخلافات بين البلدين حول قضايا مثل سوريا وليبيا وأرمينيا من ناحية، وتعميق الخلافات التركية الصينية بالوقوف ضد قمع الصين لشعب تركستان الشرقية (الإيغور) المسلم المرتبط قوميا وثقافيا ولغويا مع تركيا من ناحية ثانية.
• دعم جبهة اليونان وقبرص ومصر وفرنسا واضعاف الطموحات التركية في شرق البحر المتوسط.
ويرى مايكل سينغ مدير ادارة معهد واشنطن ان انتخاب رئيس ديمقراطي مثل بايدن يمكن ان يعيد الاعتبار للعلاقات الاميركية التركية السابقة، من خلال اجراء تسوية شاملة تلبي بعض طموحات اردوغان من ناحية وتعيد بلده الى جبهة التحالف الغربي من ناحية ثانية. ولمزيد من الاغراءات ربما تعود اميركا للعب ورقة الضغط على الاتحاد الاوروبي لاعادة فتح ملف عضوية تركيا فيه، وكذلك تجديد الاتفاق المبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي العام 2016، والذي حصلت بموجبه أنقرة على ستة مليارات يورو لابقاء اللّاجئين المتجهين إلى أوروبا في
تركيا.
وهكذا بدلا من أن تتواجه اميركا مع تركيا التي تضم 26 قاعدة عسكرية اميركية وتفترق طرقهما الستراتيجية، ستعمل ادارة بايدن على استيعاب القوة التركية وتسخيرها مخلب قط ضد جبهة الاعداء
التقليديين.