أشخاص قد تفقدهم

الصفحة الاخيرة 2020/11/29
...

عبدالهادي مهودر
لفتت نظري عبارات بيانات النعي التي اصدرها البرلمان والسياسيون والكتل والتحالفات السياسية بوفاة النائب حسين الزهيري رحمه الله الذي توفي متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، وقرأت خبرا مفصلا لبيانات النعي في جريدة «الصباح» نشرته بعددها الصادر يوم الخميس الماضي تحت عنوان (البرلمان ينعى الزهيري : لقد فقدنا رجلاً مثابراً ) وشمل الخبر البيانات التي تحدثت عن تاريخ الفقيد ومعاناته وجهاده ومواقفه واخلاقه والى آخر المحاسن التي لا تذكر إلا عند الموت فقط ويعرفها عنه اصحابه ورفاق دربه الذين نشروا بيانات النعي والبرلمان الذي كان عضوا فيه، قبل ذلك كان الزهيري مجهولا لدى غالبية العراقيين لكن المناصب كانت تبقى شاغرة بحثاً عن (رجل مثابر) يتفق عليه الجميع في حياته، كما اتفقوا على ذكر محاسنه بعد مماته وهكذا كل الراحلين، وليس بعيدا عن ذلك المرحوم احمد الچلبي الذي كان اذا ذكر اسمه تنصب عليه اللعنات ويوصف بسارق البنوك وبنك البترا الاردني والرجل الذي جلب الاحتلال من اذنيه، ليحتلنا وحين رحل الچلبي لم يبق سياسي من كل القوميات والطوائف لم يبك الرجل « الذي فقدناه ونحن في أمس الحاجة اليه « ومنذ رحيله الى اليوم تعيد الصفحات الشخصية ومواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات فديو تصريحه الذي تنبأ قبل فيه قبل سنوات بعدم قدرة الحكومات مستقبلا على دفع رواتب الموظفين، وها قد تحققت النبوءة ولم تستطع الحكومة دفع رواتب نحو ثمانية ملايين موظف يعيلون الشعب كله إلا بالاقتراض الداخلي وتبين أن موازنتنا هي عبارة عن رواتب ورعاية اجتماعية وما يتبقى منها  للاستثمار لا يلبخ جدار الوطن، اما صاحب النبوءة الاقتصادية احمد الچلبي فسدّت بوجهه وفي حياته كل الطرق المؤدية الى مواقع القرار المتقدمة من قبل رفاق دربه الذين جمعهم يوما ما تحت عنوان المعارضة، لكنهم نعوه «بقلوب يعتصرها الألم»، الچلبي الذي كسب قلب اميركا  ثم قلب ايران، ثم فقد القلبين وثقة الطرفين واكتفى بثقة وحسرة عراقية ظهرت بأثر رجعي بعد وفاته وفي كلمات ومقالات وفيديوات، واليوم يأخذنا الحنين ايضا الى اولئك الرجال الذين سحلناهم وقتلناهم وعدنا لنصفهم اليوم بالوطنيين، انظروا الى ما يكتب عن نوري السعيد على سبيل المثال والذي كان يوصف «بالقندرة وصالح جبر قيطانه» ، وكيف نحنّ الى الزمن الجميل الذي من شدة الفقر والحرمان واستمرار الحروب ما كان  يعد زمناً جميلاً في حينه، واصبحنا نستذكر اناقة الملوك والاسرة المالكة والرؤساء والعسكر ولا نستذكر كيف كان مستوى معيشة العراقيين في عهودهم وتبهرنا اناقة الملوك والرؤساء ولا يفزعنا حال مدن الصفيح وبيوت الطين والجوع ومآسي الحروب ..أليس غريبا التطرف في الحالتين أي بخس الناس ما تستحق والإطراء على أشخاص لم نعش زمانهم والإحجام عن ذكر محاسن الأحياء والمبالغة في ذكر محاسنهم لحظة الرحيل ،(تريك العراقي في الحالتين يسرف في شحه والندى) كما يقول الجواهري.
ليس عيباً أن نغادر هذا السلوك المحبط وليس عيباً أن يقدم بعضنا أسماء لشخصيات مؤهلة لتولي المسؤوليات في كل المجالات ويعرف فيهم الاستقامة والأمانة والكفاءة والخبرة قبل أن نفقدهم وننعاهم وقبل أن يضيع من عمر الوطن والشعب والرجال اكثر مما ضاع بسبب طبيعة الشخصية العراقية التي لا تروج لنفسها وبسبب الأنانية التي تمنعنا من الإطراء على من يستحق سماع كلمة إطراء في حياته ولا نفسح له الطريق ليعمل ويخدم، وبسبب الانتقائية والاختيار على اساس الهوية الفئوية ايضا، وهل ينفع الحنين الى الماضي او المديح الذي نغدقه على الموتى بعدما طمرناهم وهم احياء ولم نعرضهم بطريقة (اشخاص قد تعرفهم) التي يقترحها الفيسبوك والعالم الافتراضي ولا نقدم في واقعنا وعالمنا الحقيقي على التعريف في الوقت المناسب برجال ونساء (قد نجهلهم ونفقدهم) ونعترف باستحقاقهم عند الموت فقط .
يعلم الموتى كيف نحرص على حق الميت وحب الميت وكيف ألهبوا عند رحيلهم المشاعر المكبوتة ووحدوا الكلمات ؟!.