«سيدة الحرة».. المغربيَّة التي حكمت البحر المتوسط

منصة 2020/11/29
...

 سيث فيرانتي

 ترجمة: شيماء ميران

 
 
 
لا يحتاج القرصان البربري الى جهدٍ كثيرٍ للاستيلاء على غنيمته، فأغلب طواقم السفن كانوا يلقون أسلحتهم ولا يقاتلون لخوفهم الشديد من القراصنة الوحوش، لذلك عرفت (سيدة الحرة) كيف تحكم أعالي البحار.
ففي القرن الخامس عشر الميلادي كان القراصنة والامبراطورية العثمانية يستهدفون السفن المسيحية بالمقام الأول، وينهبونها بلا رحمة ويسرقون الرّكاب ويستعبدونهم، ما استهوى المرأة الشابة المسلمة التي اُجبرت على المنفى عند سقوط المملكة الإسلامية في غرناطة عام 1492.
 
ملكة المغرب
هربت (سيدة) وأسرتها من أسبانيا واتجهوا الى المغرب وتزوجت هناك. وبعد وفاة زوجها الأول خلفته في حُكم مدينة تطوان، قبل أنْ تتزوج ثانية من السلطان وحاكم مدينة فاس (أحمد الوطاسي) لتصبح ملكة المغرب. كانت تحمل ضغينة وخجلاً كبيراً بسبب سقوط موطن طفولتها واحتلاله من قبل فرديناند وإيزابيلا، وعزمت على الانتقام. وصلت الى أشهر القراصنة الغانمين الادميرال العثماني (بربروسا) للتحالف معه في إحكام السيطرة على البحار القريبة. وتمكنّت مع قراصنتها من احتلال غرب البحر الأبيض المتوسط خلال فترة حكم العثمانيين في أوائل القرن السادس عشر.
أبحر القراصنة تحت سلطة الحكام المحليين على الساحل البربري، ونهبوا السفن الأوروبية وجلبوا جزءاً من الغنائم الى مدنهم. 
ووفق مؤلفة كتاب النساء القرصانات (لورا سوك دونكومب) فإنَّه: «كان يُنظر الى الاميرات والبغايا والقرصانات اللواتي حكمنَّ البحار السبعة على أنهنَّ وحشيات ومرعبات، لكنَّ تلك 
السمعة استندت الى كراهيَّة الأجانب الى حدٍ كبير ولذلك استعبدوا 
المسيحيين».
قام المسيحيون بالأفعال ذاتها، وبينما كان العديد من الأوروبيين ينظرون لاستعباد الأفارقة في العمل بمزارع السكّر على أنه أمرٌ رائعٌ، لكنهم يتخذون وجهة نظر معتمة كونهم كانوا أنفسهم مستعبدين. وبالمقابل وُصف القراصنة الغزاة بالوحوش، وانتقلت هذه السمعة الى حليفتهم (سيدة) ما جعلها ملكة القراصنة الفاتنة والمرعبة التي ذكرتها كتب التاريخ.
 
قائدة بلا منازع
توضح دونكومب أنه بينما أخضعت (سيدة) السلطان لإرادتها، لكنَّ المؤرخين الأوروبيين المعاصرين الذين تعاملوا معها في اسبانيا والبرتغال تحدثوا عنها برهبة وقلق. وأشارت الكاتبة فاطمة مرنيسي في كتابها (الملكات المنسيات في الإسلام) الى أنَّ خلافتها عقب وفاة زوجها الأول أظهرت قدرتها على الحكم، وأنَّ ثقافة المكان والزمان حينها تتقبل القيادات النسائيَّة، إذ قادت (سيدة) التحالف الذي ساعد المسلمين على التوحد أمام الاستعمار الأوروبي للمغرب، وسيطرة القراصنة البربر على البحر المتوسط لثلاثة قرون.
وبينما عدَّالاوروبيون (سيدة) والقراصنة ما هم إلا لصوص وقتلة لا أكثر، لكنَّ الخبير في التاريخ الإسلامي والشرق اوسطي والكاتب في مجلة عالم أرامكو (توم فيردي) يقول: «نظر العثمانيون إليهم على أنهم مناضلون لأجل الحرية وقفوا على الخطوط الأماميَّة بوجه المحاولات الأوروبية لغزو المغرب والهيمنة عليه».
وبحسب مرنيسي فان (سيدة) كانت: «قائدة للقراصنة في منطقة غرب البحر المتوسط بلا منازع». لكنَّ فيردي يؤكد بأنها مثل كثير من الحكام أنهكها المال والسياسة، وأدى تحول التحالفات في المنطقة واضطرابات التجارة في ظل حكمها بسبب مقاومتها المسلحة للغزو الأوروبي الى الانقلاب في النهاية وإنهاء حكمها فعلياً. وهذا ما نظمه صهرها الذي أنزل جيشاً صغيراً عام 1542 بعد شكاوى التجار من نزوات وعناد (سيدة) وتأثيره السلبي في التجارة.
ويوضح فيردي بأن (سيدة) عادت الى مسقط رأسها في مدينة شفشاون المغربية: «حيث أمضت بقية حياتها هناك وتوفيت بهدوء عام 1561». ويقال إنها آخر حاكمة مسلمة حملت لقب (الحرة) وتعني (المرأة ذات السيادة)، ولا تزال بطلة وطنيَّة في المغرب لتصديها للاستعمار الأوروبي. والى اليوم تُذكر بأنها السيدة النبيلة الحرة والمستقلة التي جعلت ملك المغرب يذهب إليها طالباً يدها.
 
عن مجلة اوزي الاميركية