سلام مكي
في الوقت الذي يرى فيه الدستور وقبله الفقه الدستوري، أن شرعية أي قانون، تتم عبر مروره بالآليات التي ينص عليها الدستور في البلد الذي يقر فيه، وكل دستور رسم آلية محددة لإقرار القوانين، وبخلافه، فإن ذلك القانون، يكون عرضة للطعن به، والطعن بالقوانين هو جزء من الرقابة التي تمارس على أعمال مجلس النواب.
والرقابة هذه، تمارس من قبل جهات حددها القانون ومن أبرزها جهاز الادعاء العام الذي نص قانونه رقم 49 لسنة 2017 على جملة من الاختصاصات، منها الرقابة على دستورية القوانين عبر الطعن بها أمام المحكمة الاتحادية. كذلك سبق للمحكمة الاتحادية أن بين في أحد قراراتها أن من حق أي مواطن أن يطعن بأي قانون يراه غير دستوري.
وهنالك النواب والحكومة وكل من له مصلحة مشروعة، يطعن بالقوانين ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التشريعية، لذلك فإن وجود فرصة للطعن بأي قانون، يعد جزءا من شرعية ذلك القانون، وبخلافه فإن تلك الشرعية ستكون مهزوزة، بل مشكوك بها، ذلك أن انعدام فرصة ممارسة الرقابة على أعمال مجلس النواب، وبسبب يعود بالأصل إلى المجلس نفسه، يعد أمرا مخالفا للدستور
أصلا.
والمحكمة الاتحادية العليا، هي الجهة الوحيدة التي تمارس دور الرقابة على أعمال مجلس النواب، من خلال النظر في الدعاوى التي يرفعها الأفراد أو المؤسسات ضد رئيس مجلس النواب اضافة لوظيفته، في حال شعر أحد أن قانونا ما، يخالف الدستور.
وفي الوقت الذي تعاني فيه المحكمة الاتحادية من أزمة قانونية ودستورية كبيرة، لدرجة تعطيلها بشكل نهائي، بسبب اختلال نصابها بعد وفاة عضوين وإحالة عضو ثالث على التقاعد، وإصدار مجلس القضاء الاعلى قرارات قضائية تنص على عدم الاعتراف بأحكام المحكمة في الوقت الحاضر، نجد أن مجلس النواب، أخذ بتشريع قوانين تحولت إلى مثار جدل بين الأوساط والنخب الفكرية، وخلقت جدلا شعبيا واعلاميا
واسعا.
منها قانون الانتخابات وقانون معادلة الشهادات وأخيرا مشروع قانون جرائم المعلوماتية المراد التصويت عليه، ورغم ما في تلك القوانين من مشاكل كثيرة وتباعات إدارية ومالية واعتراض الجهات ذات العلاقة، كوزارة التعليم العالي على قانون معادلة الشهادات، فإن حق الطعن به، معطل. بالتالي، فإن بقاء القانون نافذ أمر لا محالة، لأن عدم الطعن به وصدور قرار من المحكمة الاتحادية بعدم دستورية بعض مواده، أو عدم تعديله من قبل مجلس النواب، يعني بقاءه نافذا، ووزارة التعليم العالي ملزمة بتنفيذ بنوده. مشكلة المحكمة الاتحادية، أنها تحتاج إلى قانون جديد او تعديل لقانونها
الحالي.
ولا أتصور أن الأمر يحتاج إلى تعطيل كل هذه السنين، فقانونها مثل أي قانون آخر. صحيح أن سن قانون جديد لها أكثر صعوبة من تعديل القانون الحالي، والكثير من المختصين بالقانون، طرحوا عدة مقترحات، وقدموا لمجلس النواب الحلول الكفيلة بإنهاء أزمة المحكمة، لكن الخلافات الكبيرة، وقبلها عدم وجود إرادة حقيقية لوضع حد لقانون المحكمة الاتحادية، هي أسباب لتأخر
إقراره.
بالتالي، فإن بقاء مجلس النواب بلا رقابة من المحكمة الاتحادية واستمراره بتشريع القوانين المثيرة للجدل، أمر يستدعي وقفة شعبية وجماهيرية وفكرية ومجتمعية قبل الوقفة
السياسية.