عودة فاضل.. آخر رواد سلالة الغناء الريفي

الصفحة الاخيرة 2020/11/30
...

بغداد: نورا خالد  

« ايها المهاجر في سبل النسيان، معك تغيب اطياف عالم زاخر باذخ، يا آخر عنقود عشاق الفن، معك تغيب ذكريات جيل، اسس لذائقة شعب مزج الغناء باللوعة والعشق بالجمال وحب الارض». بهذه الكلمات المؤثرة ابتدأت الفنانة بشرى سميسم الحفل التأبيني للراحل عودة فاضل الذي اقيم الاسبوع الماضي في قاعة الجواهري  باتحاد الادباء، والذي حضره جمع غفير من الجمهور النخبوي واسرة الراحل. 

الناقد الموسيقي سامر المشعل عد رحيل الفنان عودة فاضل خسارة للفن العراقي، لما قدمه من فن اصيل قائلاً: « هو آخر العنقود من سلالة رواد الغناء الريفي العراقي الذين قدموا فناً مسكوناً بجمال البيئة الجنوبية بما فيها من طيبة ووداعة ومشاعر انسانية، وهو خاتمة الرواد الكبار الذين غادرونا».
 تشبع الراحل بجذوره الجنوبية الميسانية ونقل هذا الارث النغمي والوجع الانساني الى المدينة متأثراً بمسعود العمارتلي وجعفوري وداخل حسن وخلف لازم.
 واضاف المشعل خلال حديثه « ملحن شفاف تتجلى جمالية الحانه في مقام النهاوند ومقام البيات و قدرته على التنقل بين مقامات النهاوند الى البيات الى الصبا بتلقائية وسلاسة وكأنه عارف ومتمكن من المقامات». 
لم يكن فاضل ملحناً ومطرباً فقط وانما كان شاعراً كتب الكثير من اغانيه، فضلاً عن تعاونه مع عدد من الشعراء مثل جودت التميمي الذي كتب له «واعدني اليوم وخلف» و الشاعر كاظم اسماعيل الكاطع باغنية «غريبة انه»، اما الشاعر جبار صدام فكتب له اغنية «لا يا الولد» وكانت آخر اغنية يصورها للتلفزيون. تكمن اهمية عودة فاضل كما اشار المشعل الى « سلاسة الحانه فقد قدم انموذجا للاغنية الريفية  التي فيها حداثة قريبة من اسماع المدينة او بمعنى اخر انه زاوج بين الاغنية الريفية واغنية المدينة وصنع اغنية فيها نكهة الريف والجنوب، والتي من الممكن أن توضع في خانة الغناء الريفي الحديث اي انه البس الاغنية الريفية «ربطة عنق» وبالامكان أن تسمع في الوسط والغربية وفي البلدان العربية « .
 “لا يا الولد” تلك الصرخة الحراقة التي تلهب روح كل من سمعها ستظل من اهم محطات الراحل ففيها نزف وجعا وصدقا عبر عن ضمير كل من ابتلي بالفقد والفراق كتبها بحرفنة كبيرة الشاعر جبار صدام الذي اعتلى المنصة، ليتحدث عن صديق عمره بصوت حزين وعيون دامعة قائلا “ ودعتني وبوداعك ودعتني العافية” ، مبيناً “ تمتد علاقتي بالراحل الى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، عندما التقيته في مسرح الطيران وعملنا معاً اعمالا كبيرة، الا انني الخص علاقتي وعملي بالراحل من خلال عملين هما “ يا الولد يابني”،  والعمل الاخر عندما توفي ولده عمار “ لا يا الولد ليش رحلت “. 
خلال فقرات الحفل التأبيني غنى الفنان مؤيد حسن وبطلب من الجمهور اغنيتين من اشهر اغاني الراحل وهما “غريب انه “ و“مسامحك”، صاحبهما عزف على آلة العود. 
للملحن علي سرحان تجربة طويلة مع عودة فاضل، اذ اشار الى أن “ بدايتي كانت معه عندما كنت اعزف ايقاع وعودة الرق، في حفلات عبادي العماري”، موضحا” طموحه جعله يتعلم باصرار على العود، كان يمتلك صوتا جميلا، يمزج بين عبادي العماري وداخل حسن مع الاحتفاظ بلون خاص به، ليقدم موالا للراحل من طور “ الملائي”.  
اما الملحن الكبير محسن فرحان فاكد خلال مداخلته ان “ فاضل يمتلك لونا غنائيا متفردا لم يستطع احد مجاراته او تقليده”.  
كما كانت هناك مداخلات من قبل الملحن كريم هميم والفنان زياد الامير وآخرين، مؤكدين ان عودة فاضل فرض نفسه في وقت صعب جدا .  
وختم المشعل الحفل التأبيني بالقول “ الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا”، ونحن عادة ننتبه الى الكثير من مبدعينا بعد رحيلهم وبردة فعل عاطفية ممزوجة بالحب والشعور بالذنب نبدأ بالتأبين وكيل المديح ونقلب محاسن وصفحات الابداع المشرقة واهمية هذا الفنان الذي فقدناه”.
 سيظل عودة فاضل حاضرا في التاريخ والوجدان والذاكرة كاحد فرسان الاغنية الريفية وكوجه من وجوه الابداع العراقي