محمد عدنان محمود
تعد الثقافة أحد العناصر الاساسية التي تسهم في تحقيق التنمية البشرية، فالمجتمعات لا تزدهر من دون الاهتمام بالثقافة، كما لا يمكن تحقيق تنمية في غياب الثقافة، واذا كان هناك من ازدهار يتحقق في مستقبل الثقافة، فهو يرتبط بوجود بيئة ديمقراطية حضارية محفزة تتمكن من بناء اجيال واعية قادرة على المطالبة بحقوقها وانجاز واجباتها تجاه وطنها، فالثقافة هي مسؤولية وهي بناء دول وامم وشعوب.
يتحدث شاكر نوري في روايته خاتون بغداد، عن احد الشخصيات في الرواية ((فرناندو)) الذي اراد ان يزور المكتبة الوطنية بعد احداث عام 2003، قال لصاحبه، منظر حرق المكتبة كان مؤلماً وقد شاهده الملايين، يجيبه صاحبه قال تركوا المكتبة تحترق وحموا وزارة النفط، ويضيف ان قوات الاحتلال، حين تحتل المدن لا تعمل هكذا بالمكتبات فقط في العراق.
ان قتل الثقافة والعلم سياسة مقصودة لهدم مجتمع بالكامل، لانه ليس مؤسسة ويمكن تشييدها من جديد، انها حاصل قيم وتقاليد واعراف مجتمعية ضاربة في الاعماق هي اخلاقيات مجتمع ان ذهبت صعب ان لم يكن مستحيلا اعادة بنائها من جديد.
قُتلت الثقافة في العراق على مر التاريخ من زمن هولاكو والاحتلالات بانواعها غالبية الحكومات لم ترحم الثقافة العراقية وجيرتها لصالحها، احترقت المدونات التاريخية والاثرية والكتب الثمينة، هناك من يشير الى اكثر من مليون كتاب ووثيقة اصبحت رماد بفعل احتراق المكتبة الوطنية، وسبعمئة مخطوطة نادرة تعود لمكتبتي الاوقاف وبيت الحكمة احترقت، لهذا حين نتحدث عن مكتبات وكتب ازهقت ارواحها، نعي ان ذلك انعكس على واقع وبنية المجتمع الثقافية، فالدولة التي تحرص على سلامة المجتمع، لا بد ان تبدأ من وعي الجيل والثقافة، لأنه تمثل اساس البناء العقلي والعقائدي والقيمي.
من هذا المنطلق احاول الحديث والتساؤل لماذا تستهدف الثقافة في العراق، هل نحن السبب ام هي تدخلات خارجية بمعاول داخلية، لماذا يصرون على هدم المجتمع وهويته وتجانسه الفكري والقيمي والخلقي، الجواب الوحيد الذي يمثل امامي ان الثقافة تبني وطنا، واذا لا نملك الوعي الثقافي، لن نملك القدرة على بناء وطن ونحافظ عليه، وندافع عنه ضد اية هجمات. ومن هذه التساؤلات ووحي الاجابة نأتي الى تساؤلات مضافة، هل نحتاج الى مراجعة ثقافية لواقعنا القائم؟، والاكثر هل انتهى زمن الثقافة العراقية؟، هل نعيش عصر انزلاق وتدهور هويتنا الثقافية؟ وماذا نعني بالثقافة؟ هل هي القيم والعادات والتقاليد فحسب؟ ام هي اسلوب الحياة الصحيح؟ مهم كثيراً هذا الفهم ففيه دلالة عميقة عن معنى الثقافة رغم بساطة المفردات سمعته في اكثر من مناسبة من احد اساتذة العلوم السياسية، وقال إنها في ابسط تعريفها هي سلوك واسلوب للحياة وجدت هذا التعريف دقيقا جداً ويمكن ان نفهمه بوضوح في المرحلة الحالية، بما نمر به من مخاضات وتحديات كبيرة في مختلف نواحي الحياة.
العديد من الناس يقرؤون الكتب والروايات الحديثة ويتابعون النشاطات والفعاليات، والعديد منهم اصبح زائراً معتاداً لشارع الثقافة، شارع المتنبي ولكن هل الكل يعي حقيقة ذلك وما يعنيه من صفة، وهل الكل يدرك الروايات والكتب ويستثمرها في عقليته وفي سلوكياته، وهل الكل يعلم ما معنى ان يذهب كل اسبوع الى المتنبي، الثقافة يجب ان تعطيني الحق وفي ذات الوقت يجب ان تعلمني كيف اعطي الحق للاخر.
ان واحدة من الاشكاليات الحقيقية التي نواجهها باستمرار، كيف نبني ثقافة موحدة وشاملة في ظل التردي الكبير الذي مرت بها مجتمعاتنا لاسباب عدة اقتصادية واجتماعية وسياسية ساهمت في تناقضات الهوية وصراعاتها وبمراحل زمنية عدة، تجذرت بفعل سياسات ومواقف سلطات حاكمة، سياسات ادت الى حالة من الاحباط السياسي وجذرت التناقضات على مستوى الثقافات والهويات، في ما بينها وعلى مستوى كل هوية ثقافية مع السلطة الحاكمة.
هنا لا بد ان نقف ونراعي انفسنا اين نحن اين ثقافتنا الى أي مدى وصلنا؟ تساؤلات مهمة نحتاج الى اعادة انتاجها والاجابة عليها، اتفق مع الآراء التي تجد اننا بالفعل بحاجة الى مراجعة ثقافية مراجعة بعمق الوطن الذي نريده، ونكتبه في شعاراتنا وندونه على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا يكفي ذلك بل لابد ان نشرع ونعمل للوطن الذي نريد.
الوطن هو دفع مؤسسات الدولة للعمل بكل طاقاتها، الوطن هو خلق جيل واع ومجتمع يفهم ماهي حقوقه وواجباته، الوطن هو سيادة الامة على كامل اراضيها وشعبها، الوطن هو الحقوق التي ننعم بها جميعاً، من دون تمييز او تفرقة او اختلاف، وهو الواجب والضمير الذي يحتم علينا ان نبينه ونرعاه حق رعايته، الوطن هو الحقيقة المصانة وهو الضمانة الاساس لوجودنا، فمن دون الوطن لا معنى لمفردة مواطن ولا معنى للانسانية.
من هنا حين نتحدث عن المراجعة الثقافية نشدد على ان الهدف الاساس حين نبني ثقافة صحيحة سنبني جيلا واعيا قادرا في الحفاظ على هويته ووطنيته ومنها يتحقق الهدف الاسمى بناء الوطن. الحاجة اليوم اصبحت ملحة الى مشروع نهضة تنموي شامل للمجتمع تقع مسؤوليته على عاتق جميع القطاعات والفئات المجتمعية والنخب السياسية والفكرية.