الدكتور قيس العزاوي: الدبلوماسيَّة الثقافيَّة تحقق أهداف السياسة الخارجيَّة لأي بلد

منصة 2020/12/02
...

 القاهرة: إسراء خليفة 
ألقى الدكتور قيس العزاوي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس قطاع الإعلام والاتصال، محاضرة عبر تقنية "الفيديو" على باحثي وطلبة أكاديميَّة التميز في الهند عن أهمية الدبلوماسية الثقافية في نجاح انعقاد مؤتمر القمة العربية في بغداد عام 2012. تناولت المحاضرة الدبلوماسية بوصفها فن إدارة العلاقات الدوليَّة وكونها وسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية والأنواع الأخرى المستحدثة للدبلوماسيَّة مثل الدبلوماسيَّة الثقافيَّة والأكاديميَّة والشعبيَّة والرياضيَّة.. وتوقف عند الدبلوماسيَّة الثقافيَّة على وجه التحديد ليضع بعض المحطات التاريخيَّة لها.
الدبلوماسيَّة الثقافيَّة تعني استخدام النشاطات الأدبيَّة والفنيَّة والموسيقيَّة والحضاريَّة لتحقيق أهداف السياسة الخارجيَّة لأي بلد، وتجسيداتها نجدها في سفراء اليونسكو وسفراء المنظمات الإنسانيَّة والأمميَّة.. ولقد عرفت حضارتنا العراقية القديمة وحضارتنا العربية الإسلاميَّة صوراً مشرقة لها، فالرحالة العرب من ابن بطوطة والادريسي والاندلسي كانوا سفراء الحضارة الإسلاميَّة وأفادوها بدراسة الشعوب والحضارات الأخرى.
وأعطى العزاوي مثالاً من آخر دولة إسلامية وهي الدولة العثمانية التي كانت تقسم العالم الى منطقتين: دار السلام ودار الحرب، فديار الإسلام هي دار سلام وكل ما عداها دار حرب، ولكنَّ العثمانيين وصلوا في القرن الثامن عشر الى قناعة بأهمية المنطقة الرمادية أي الوسط، وهنا برزت أهمية الدبلوماسية لذلك بدؤوا بإرسال السفراء الى الخارج وبالذات الى فرنسا عام 1720 التي قالوا عنها دار صلح.
وأورد العزاوي أمثلة عن دبلوماسية الرياضة حينما تقارب عدوان سياسيان هما: أمريكا والصين عام 1971 في مباراة بين الطرفين بكرة المنضدة.. وكانت أبرز ثمار هذه المباراة تهيئة الأجواء السياسية لزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الى الصين عام 1972، وقد حدث مثال لذلك عندما تقاربت العدوتان كوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية عام 1991 بتشكيل فريق موحد لكرة المنضدة.
وبعد ذلك جاء على ذكر أهمية وفعالية الدبلوماسية الثقافية في التاريخ السياسي العراقي، ذلك أنَّ إبداع هذه الدبلوماسية السياسية جاء على يد مثقفيها من سفراء ووزراء مثل المرحوم الدكتور عبد الرحمن البزاز الذي وضع مؤلفات بلغت أكثر من عشرين مؤلفاً وكتاباً في القضايا القانونيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة والفكريَّة، ولعب دوراً مهماً عند توليه منصب سفير ثم وزير ثم رئيس للوزراء فنائب لرئيس الجمهورية. وبعد أنْ أشار العزاوي الى الوزير عدنان الباجه جي وعبد الجبار الجومرد، أعطى مثالاً مهماً عن الدكتور محمد فاضل الجمالي.
سمعة الجمالي تجاوزت الحدود الوطنية والعربية لتصبح دولية، فالجمالي كان عضواً مؤسساً لمنظمة الأمم المتحدة، وهو الى جانب كونه مثقفاً سياسياً مرموقاً فهو كاتب سياسي ومفكر مبدع، فقد وضع 22 كتاباً وكان مناضلاً عربياً لأنه كان أحد أسباب استقلال تونس، فهو الذي سمح بدخول الحبيب بورقيبه الى داخل مبنى الأمم المتحدة عام 1954، بعد أنْ منعوه، فقد أدخله الجمالي بوصفه عضواً في الوفد العراقي ووضع على صدره البطاقة الدبلوماسية العراقية وقدمه بوصفه ممثلاً لتونس الحرة وألقى بورقيبة كلمته الداعية لتحرر بلاده من الاستعمار الفرنسي. ولم ينس بورقيبة فضل الجمالي لذلك توسط له عندما حكمته محكمة الثورة في العراق عام 1958 بالإعدام وتمكن من إخلاء سبيله واستقباله في تونس.
جاء العزاوي على ذكر تجربته الدبلوماسيَّة في القاهرة كسفير لبلاده في الجامعة العربية من 2010 الى منتصف 2014 وهنا بين فعالية الدبلوماسية الثقافية. فقد كان العراق وقتذاك يعاني من الاحتدامات الداخلية والصراع الإقليمي والدولي على أراضيه، ما أثر بنحو سلبي في أوضاعه الأمنية والسياسيَّة وانعكس ذلك على مكانته في جامعة الدول العربيَّة.
كان الوضع في العراق بنداً دائماً على جدول أعمال الجامعة ويناقش مجلس الجامعة بمستوياته الثلاثة أوضاعه، وكانت مواقف الدول العربية سلبية إزاء العراق وما يحدث فيه من احتدامات داخلية وتدخلات إقليمية ودولية. وفي ظل ظروف كهذه بدأ العزاوي العمل معتمداً على مبدأ أنَّ السياسة تفرق والثقافة توحد. وكانت أولى الخطوات هي إعطاء أولويَّة للنشاطات الثقافية والفنية لكي ينجذب العراقيون بشتى انتماءاتهم السياسية وكذلك المسؤولون العرب نحوها..
لقد نظم في حديقة السفارة خيمة الشعر الشعبي العربي وحضرها شعراء من دول عربية عدة كما حضرها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وعددٌ من السفراء ثم نظم احتفالية فكريَّة عن معوقات عمل الجامعة العربية بحضور وزراء وسفراء ومفكرين وتوالت النشاطات الثقافية حتى تشكل الصالون الثقافي العربي الذي ضم خيرة المفكرين العرب فأصبح العزاوي أميناً عامَّاً له، وأصبح الصالون كثير الانعقاد ويتنافس على حضوره أبرز المثقفين العرب وتتناقل جلساته التلفزيونات المصرية والعربية ونظم ندواته حول موضوعات حيويَّة مثل المرأة العربية والتحولات الجارية التي حضرتها 8 وزيرات عربيات لشؤون المرأة وعن الإبداعات الفكرية والادبية والحضارية والموسيقية والسينمائية. وكانت الجلسات على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية تجمع وتحرر وتصدر محاضرها بكتب بلغت 19 كتاباً حتى أصبح الصالون معلماً حضارياً يشار إليه.
وعند اندلاع الثورة المصرية ضد الرئيس مبارك وبسبب استمرار المتظاهرين في ميدان التحرير حيث توجد الجامعة العربية لم يعد مجلس الجامعة قادراً على الانعقاد ، لذلك أخذ العزاوي على عاتقه جمع السفراء العرب في السفارة العراقية، وكانت هناك معارضة كبيرة، فالدول العربية تتخذ مسافة سياسيَّة مما يحدث في العراق، ولكنْ شبكة علاقات العزاوي وتمكنه من إقناع الأمين العام للجامعة العربية والمعترضين من السفراء العرب جعل لقاء الغداء في سفارة العراق يتحول الى انعقاد مجلس الجامعة وهي المرة الأولى التي ينعقد فيها المجلس في سفارة.
تلا ذلك عمل ثقافي وسياسي دؤوب للتحضير لعقد القمة العربية في بغداد والسفراء العرب كانوا صناع قرار في ميادينهم وكذلك سفراء الجامعة العربية وهم يتوافدون على نشاطات ولقاءات ومحاضرات ممثلية العراق في الجامعة حتى أصبحت مكان لقاءاتهم.. لقد أسهم كل هؤلاء وعلى الرغم من معارضة قلة قليلة في نجاح قمة بغداد التي كان للصالون الثقافي حصة فيها.. كما كان لعلاقة العزاوي بالرئيس التونسي سبب بحضوره القمة وكذلك كانت مهمة العزاوي إقناع المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس ليبيا لحضور قمة بغداد التي افتتحها (العضو المؤسس للصالون الثقافي العربي) الموسيقار نصير شمه بمقطوعة (وطني حبيبي الوطن الأكبر).
وأثناء رئاسة العراق للقمة العربية التي تستمر سنة، قام العزاوي بتنظيم عددٍ من المؤتمرات العربية و الدولية مثل "كتابة الدساتير في دول الربيع العربي" في القاهرة وتفعيل النظام الأساسي للبرلمان العربي" في بغداد، و"مؤتمر الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي" في بغداد. كما ترأس العراق القمة العربية اللاتينية في
 بيرو.