علي كريم خضير
قد يكون مشروع هذا القانون، قد جاء متأخرا جدا، لكثرة ما انطوت عليه هذه التقنية الحديثة في العراق من إشكاليات أسهمت بفاعلية في تفكيك اللحمة الاجتماعية، وفي خلق ظروف غير آمنة، أفادت منها الجماعات الإرهابية، ومثيري الفتن في تنفيذ خططها الإجرامية على حساب المواطن البسيط، الذي ظل طيلة السنوات المنصرمة، يعاني من هول هذه الجماعات الضالة، ويدفع ضريبة الخوف، وعدم الإستقرار، والتضحيات بالأرواح بسبب عدم إلتفات المسؤولين، وممثلي الشعب إلى معاناة مواطنيهم، وإيجاد الحلول الناجعة التي تقوض عمل الإرهاب، وتفسد مخططاته الدنيئة.
ولاشك أن البحث في الماضي، يعد نوعا من النقد غير البناء، لأن الماضي زمن ولى وانتهى، كما يقول النحاة، وعلينا اليوم أن نكون أكثر مسؤولية في التعامل مع واقعنا الراهن، وأن نجهد أنفسنا بالنهوض به وفق رؤية علمية، وموضوعية تستشرف المستقبل، ولا تتحدد بأطر بوهيمية غامضة، وسبل غير مجدية للمعالجة، فلا مواربة على أي شخص مهما كانت منقبته الاجتماعية، أوالسلطوية من الاستعانة بغير المتخصص في تنفيذ مشروع، أوكتابة نص قانوني أو ما شابه، طالما أن هذا المشروع، أوالقانون يمس حياة آخرين، أويحقق مصالحهم العامة.
ولقد بادرت الحكومة الحالية منذ تشكيلها بوضع لمسات ناجحة على سير العملية السياسية، وإن كانت بعض هذه اللمسات تحتاج إلى تفعيل حقيقي، لكنها في حقيقة الأمر صورة جذابة تفصلنا عن كثير من المراحل السابقة، وتنعش فينا الآمال مجددا من أجل وطن سرقته جيوب الفاسدين، وتناهبته أطماع المنتفعين، وفاقدي الضمائر، والحق ان تفعيل قانون جرائم المعلوماتية يعد من الضرورات الوطنية، التي تبيح للجهات الرسمية قانونية الاجراءات بحق المخالفين، ومرتكبي الجرائم ذاتها، بيد أن تشريع القوانين يتطلب تدارس أوضاع المجتمع الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية.
وأن تكون لهذه القوانين الممهدات اللازمة للتطبيق، لكي تحقق هذه الخطوات ثمارها المطلوبة، وإلا ستكون عبارة عن (حبر على ورق) كما يقول
المثل.
أو صورة من الصور المشوهة للواقع العراقي في تطبيق العدالة بين أبناء المجتمع الواحد، إذ شملت بنود هذا القانون الخيار بين العقوبة والغرامة. وهذه أول نقطة خلافية في القانون، لأن الجرائم تصنف (جنايات، وجنح، ومخالفات). الجنايات تبدأ عقوبتها بأكثر من (5 سنوات- السجن المؤقت- السجن المؤبد- الإعدام).
أما الجنح فعقوبتها تبدأ بأكثر من (ثلاثة أشهر - 5 سنة).
وما تبقى يدخل ضمن نطاق المخالفة. وفي (الجنح ، والمخالفات) يمكن ان تدخل الغرامة عاملا مساعدا لمن ثبتت عليه التهمة.
أما الجنايات، فلم يتسن للمشرع العمل بالغرامة مطلقا.
ومن اللافت للنظر، أن في مشروع قانون المعلوماتية، هناك عقوبات تصل إلى( السجن المؤبد، والسجن المؤقت، وعشر، وسبع سنوات).
ولكن هناك ما يماثلها من التغريم، وهذا مناف لقانون العقوبات العراقي النافذ. فضلا من كونه يثير تمايزا بين المواطنين، فهناك من هو قادر على الدفع، مهما كان المبلغ كبيرا. وهناك من لا حول له ولا قوة. وبذلك يفقد القانون هدفا من أهدافه السامية، التي شرع من أجلها.
وينبغي أن نعرج على نقطة ثانية ذات أهمية بالغة، وصفها أحد الفلاسفة اليونانيين بالقول: (( لا إفراط ولا تفريط، ولكن أمر بين أمرين))، فإن المعاضلة في إيقاع العقوبات كما وردت في القانون، من الطرق غير الصحية، التي تعكر صفو العلاقة بين المواطن والدولة، لاسيما أن المرحلة السابقة كانت تشهد إهمالا واضحا، الأمر الذي يجعل أي تصرف معكوس مثارا لقلق المواطن، وذريعة للتوهم، خوفا من المساس بحريته.