شأنا أم أبينا، الدولة العراقية في تشرين الأول 2019 أنهت مرحلة سابقة، وظهر ما يسمى بالدولة الموازية، في مرحلة جديدة ماضية الى انهيار الدولة التقليدية، وهذا الذي اعترف به المسؤولون في أكثر من مناسبة والظروف مهيأة من جعل العراق ساحة صراع بين مشروعي طريق الحرير وصفقة القرن.
فالعراق الذي دخل بعد احتلاله مطلع 2003 مرحلة جديدة ضمن مشروع أميركي وبمساهمة حلفاء تقليديين لها، وآخرون غيرهم، تقوم على رعاية أحزاب وتيارات سياسية غير متجانسة لإدارته، وأفضت لتقسيم العراقيين على مكونات طائفية ومذهبية وعرقية لا ينتج عنها سوى الخلافات والاتهامات والتشكيك بالآخر، بغية انتاج الطائفية التي أحرقت الأخضر باليابس بدأت ذروتها في 22 شباط 2006، والسؤال هل كانت أميركا غبية، كما يدعي البعض أم كانت ذكية حتى الخبث؟
فالشعب العراقي واجه على مدى 17 عاما أعتى التحديات ومورست ضده وعلى أرضه مختلف السيناريوهات والأجندات الخارجية المتصارعة، بينما نرى أن الفاعل السياسي في كل مرة يخسر فرص البقاء بين قواعده الجماهيرية، حتى دخلت البلاد في أتون أزمة تشرين 2019 وتعمقت الخلافات مع القوى الجماهيرية ونجم عنها سقوط حكومة عادل عبد المهدي، وبالرغم من ذلك فالفاعل السياسي لم يستوعب درس تشرين وأعده مرة صوتا في البرية لا تأثير له، ومرة ثانية أعده خطرا عليه ولجا لكبح جماحه، وفي الحالتين خسر وجوده وتأثيره في جمهوره، وبالتالي هذه خيارات مغايرة للمشروع الوطني.
المرحلة المقبلة ربما أحزاب النظام السياسي لا تدرك خطورة، أن بلادها مؤهلة لمواجهة صراع أخطر قوتين بالعالم، الولايات المتحدة والصين، على أرضها، صراع سياسي اقتصادي، فواشنطن فوجئت بأن بكين تطرح مشروع طريق الحرير، الذي يبدأ من الصين باتجاه ميناء اللاذقية السوري وسيكون ميناء الفاو الكبير مرتكزا أساسيا له في التجارة العالمية ومحاولة تطويق الوجود الأميركي بالمنطقة، وقد يكون العراق من مصلحته الاندماج في هذا المشروع التنموي إن صح له، وحيال ذلك طرحت واشنطن مشروعها الستراتيجي مع إسرائيل « صفقة القرن « بالضد من مشروع طريق الحرير، وسيركز على المنطقة الغربية من العراق بطرح استثمارات تصل الى 50 مليار دولار، ولن نطيل بالتفاصيل فإن عملية الزحف بين المشروعين على أرض العراق تجعل هذا البلد، وكأنه أرض بلا سكان لتغييبهم من قبل الفاعل السياسي، وأيضا أن الأخير في نظر الصين وأميركا ليس له وزن مؤثر، لكونه دخل مرحلة منتهية المفعول لما قبل تشرين الأول 2019، وعلى حكومة بغداد أن تعي بأن الصراع الدولي( أميركا وحلفاؤها والصين وحلفاؤها) سيتعمق في العراق وسيعتمد آليات مضرة بالعراق، أولها، تجويع العراقيين حتى يقبلوا بأية إملاءات تملأ بطونهم الخاوية عند البدء برسم الخارطة، وثانيها، اثارة العنف المسلح في جنوب العراق، والعنف السياسي في كل من المناطق الغربية وإقليم كردستان العراق. وثالثها، تمزيق العراق تحت مبررات الفيدرالية الطائفية، وقد تلجأ لخيار تحميل الطبقة السياسية التي تسلمت الحكم في 2003 مسؤولية الخراب الذي عم العراق وإن كنا في الوقت الضائع، لكن ينبغي من الأحزاب الحاكمة أن تفهم اللعبة وتتدارك معالجة الأخطار في محاولة متأخرة لدرء الخطر، بينما الحقيقة أن واقع حالهم يقول خليها عليه وعلى أعدائي.