كثر الحديث عن النوستالجيا

منصة 2020/12/05
...

  عفاف مطر 
هذه حقيقة، لقد كثر فعلا الحديث عن النوستالجيا في السنوات الأخيرة، الى درجة أن علماء النفس في كبرى جامعات العالم مثل جامعة جنوب كاليفورنيا، قد وضعوا النوستالجيا تحت عدسة العلم والتجربة وأدخلوها مختبراتهم البحثيَّة، واختلف الباحثون الأكاديمون في تفسيرها، على أنهم أجمعوا على أن الإنسان الذي يعاني من حالة الحنين الى الماضي، يعيش حاضراً مشوشاً ومستقبلا مجهولا.
كما أجمعوا الى حدٍ ما، على أنه ليس بالضرورة أبداً أنَّ الذكريات السعيدة التي يسترجعها الإنسان هي حقيقيَّة فعلاً، فعقل الإنسان علميّا يتبع آليات معينة في التعامل مع الأحداث، سواء كانت أحداثاً حصلت في الماضي، أو أحداثاً تحصل الآن في الحاضر، والهدف من هذه الآليات حماية الإنسان، فالذكريات التي نحنُّ إليها ونستذكرها بصورة سعيدة أو حميمة، ليست دائماً كما نتذكرها، إذ إنَّ العقل يضفي لمساته الخاصة. حتى أنَّ فريقاً من العلماء يرون أنَّ العقل البشري يجري (تحديثاً) لهذه الذكريات في كل مرة نستدعيها لتبدو أجمل.
النوستالجيا ليست حالة فرديَّة أبداً، بل تحصل أحياناً على مستوى مجتمعي، فلطالما أخبرنا آباؤنا أنَّ زمانهم كان زمان الخير، وأنه أفضل من زماننا نحن أبناءهم، وجيلهم أفضل من جيلنا، ولو رجعوا بالذاكرة قليلاً، لوجدوا أنَّ آباءهم كانوا يخبرونهم بالشيء نفسه، فما التفسير لهذه الظاهرة؟ هل العالم يسير من السيئ الى الأسوأ؟ وأنَّ البشرية تنحدر نحو الأسفل بدلاً من التقدم الى الأمام؟
الحقيقة لا، فلكل زمان إيجابياته وسلبياته، إلا أنَّ العقل البشري ولغرض حماية الإنسان، لا يستدعي سوى ما يجعل صاحبه سعيداً ومرتاحاً؛ ونظرة سريعة عابرة على التاريخ، تكشف لنا أنَّ القرن العشرين، قرن الإبادات البشريَّة الكبيرة والحروب العالميَّة، لهو أسوأ من القرن الواحد والعشرين، على الأقل حتى الآن، ليست هناك قاعدة ثابتة، ولا بأس من الاستعانة ببعض من ذكريات الماضي التي تم تعديلها وتحديثها من قبل العقل البشري الجبار لتساعدنا على تعديل مزاجنا الآني، على شرط ألا تعيقنا هذه الذكريات عن رؤية الأشياء الجميلة التي تحيط بنا الآن، قبل أنْ يأتي يوم تتحول هي بدورها الى نوستالجيا.