مناعة القطيع {حاشاكم}

الصفحة الاخيرة 2020/12/06
...

عبد الهادي مهودر
تمر عبارة مناعة القطيع على مسامعنا الكريمة، كل يوم منذ بداية جائحة كورونا قبل عام تقريبا والتي استعارها العلماء سامحهم الله من سلوك الحيوانات، التي تتحرك بشكل جماعي، حين يداهمها قطيع آخر من الحيوانات المفترسة، او عندما تفر لفرار احداها، من دون معرفة السبب والنتيجة، او حين يعجب أحد الحيوانات الجري والتمتع بالجو المشمس، فتلحق به الحيوانات الأخرى (علواهس)، وتروى عن ذلك طرفة بأن أسداً هاجم قطيعا من الغزلان، فهربت جميعها إلا غزالاً واحدا، ثبت في مكانه ولم يهرب فتراجع أمامه الأسد وهرب مسرعاً، فلحقه ولحقت به بقية الغزلان، حتى وصلوا الى قطيع من الأسود الجائعة، كانوا ينتظرون عودته بغنيمة، فسأله الغزال لماذا توقفت ولا تواصل الركض، فأجابه وكيف توهمت بأني أخاف منك، هل تعلم أني وعدت جماعتي الأسود أن اجلبكم كوجبة غداء (سفري)؟!، فالسلوك الجمعي يقود الى التهلكة، حين يقوم كل عضو في مجموعة ما بحشر نفسه مع الأغلبية، ويتطبع مع سلوكهم ويذوب في الجماعة، ويتخلى عن عقله وتفكيره، من دون حساب للنتائج والعواقب الوخيمة، غير أن مناعة  القطيع في مواجهة كورونا، تتم على اساس فرضية اصابة معظم أفراد المجتمع بالفيروس، فتتعرف أجهزتهم المناعية على الفيروس ومن ثم تحاربه، إذا ما حاول مهاجمتها مجدداً، ووفق هذه النظرية، تم تشبيه سلوك الناس الجمعي بسلوك القطيع.
ويفسر المختصون سلوك القطيع، بأنه ميل الأشخاص الأدنى مركزاً أو الأقل تأثيرا في الجماعة، إلى التصرف بسلوك من هم أعلى مركزاً أو أفضل  حالة وظيفية أو اجتماعية، ويضربون مثالاً على ذلك سلوك الأشخاص في سوق الأسهم وأثناء الاحتجاجات وشغب الملاعب الرياضية وغيرها، ويظهر هذا السلوك في واقعنا اليومي، عند البحث عن المراكز التجارية والمطاعم الجيدة، فنختار المزدحمة ونميل لدخولها، باعتبارها الأفضل من غيرها حتى وإن لم تكن كذلك، والغريب انه في الوقت الذي يتم التحذير من مخاطر السلوك الطبيعي الجمعي، يتم الترويج لاعتماد ستراتيجية مناعة القطيع في مواجهة كورونا، على الرغم من أن نجاحها غير محسوم بشكل قاطع، فكل الداعين لمناعة القطيع يستخدمونها على سبيل التجربة واحتمالات النجاح غير المضمون، بشكل يشبه حالة الاستسلام، حين تعجز حلول الأرض ويترك الأمر للسماء، وحتى اليوم توجد طائفة كبيرة من المتخصصين، تحذر من اعتماد مناعة القطيع كحل مقترح، ويرون أنها قد تجرنا الى كارثة أعظم، فالسلوك الجمعي الذي يعني كيف يكون حلاً والتعايش مع الفيروس كيف يؤدي لاكتساب المناعة وللقضاء على جائحة كورونا (وحشر مع الناس..) ليس عيدا دائما.
وبغض النظر عن منافع ومساوئ مناعة القطيع، التي يقدرها المختصون، لكن ما يهمنا هي العبارة المتداولة، فهي غير مناسبة، إن لم نقل مهينة ولو كان المجمع العلمي واللغوي مفعلاً، لاستبدلها بلا تردد، كما استبدل الكثير من العبارات غير المناسبة والدخيلة والأسماء المخجلة، ولو كان العالم اللغوي مصطفى جواد حياً لأتحفنا، بقل المناعة الجماعية ولا تقل مناعة القطيع، وبإمكان المسؤولين والمتحدثين استبدال عبارة مناعة القطيع بعبارة (المناعة الجماعية) في التصريحات والبيانات، أما في مجالسنا الاجتماعية، فنحن بلا شك سنضطر على الأقل لإرفاقها بعبارة (حاشاكم) او (بلاتشبيه) او ( الامثال تضرب ولا تقاس)، تجنباً للفصول العشائرية التي تحاسب على الزلة والهفوة والكلمة، ولكننا اعتدنا على تداولها إعلاميا، مثل الكثير من العبارات التي نطلقها لتقريب المعنى، بعيداً عن البحث في مقاصدها الأساسية، بينما نحتج على عبارات أقل أثرا وتجريحاً.
واذا كان العلماء يختلفون بين من يرى ضرورة توفير اللقاح الفعال، وبين أهمية مناعة القطيع، ولكل طرف منهم حجته، فنحن كعراقيين نختلف كثيرا عن العالم في مواجهة كورونا ونعالجها بإطلاق الاستغاثات لعلاج المشاهير فقط وترك (المگاريد)، الذين لا يملكون ثمن وصفة دواء، يواجهون مصيرهم المحتوم، بدلا من توجيه الضغوط على هدف إصلاح وتطوير المؤسسات الصحية، من اجل توفير الخدمات الصحية لجميع افراد المجتمع المبتلى بهذه الجائحة، من دون الحاجة الى اطلاق استغاثات ومناشدات، مع امنياتنا للجميع بالسلامة.