دانيال ماهانتي وراشيل ستوهل/عن موقع «ديفينس وان»
ترجمة: أنيس الصفار
إذ تتحرك الولايات المتحدة صوب تشكيل إدارة وكونغرس جديدين، هنالك امام قادتها فرصة غير مسبوقة للتأمل في أهمية إعادة التقييم والنظر في مجمل النفقات والتبعات والمخاطر المتعلقة بحروب سرية لم ترسم لها معالم او حدودا واضحة.في 17 أيلول 2001 قال «جورج بوش» متحدثاً الى مجلس الأمن القومي في قاعة الموقف بالبيت الأبيض: «غايتنا من هذا الاجتماع هي توزيع المهام لإطلاق الموجة الأولى من الحرب على الإرهاب».
لكن حتى الرئيس بوش لم يكن قادراً على تصور ما الذي انطلق من عقاله في ذلك اليوم. كذلك لم يكن بوسعه التنبؤ بأن قائمة الوسائل التي يمكن للحكومة من خلالها أن تستخدم الوسائل السرية القاتلة في كل مكان من العالم تقريباً سوف تبقى تدور وتعمل حتى بعد مرور عشرين عاماً.
كثير من الخيارات المتاحة اليوم امام الرؤساء الأميركيين لاستخدام القوة القاتلة خارج حدود بلدهم إنما أسست على اساس تصور وجود خطر طارئ عاجل، ومن اجل تأمين المرونة والسرعة استثنيت برامج ونشاطات سرية عديدة من الضوابط القانونية التقليدية وشروط الشفافية واشراف
الكونغرس.
ولكن على مدى عقدين من الزمن غدا استخدام هذه الصلاحيات والوسائل، من خلال الضرب بالطائرات المسيرة والاسناد شبه العسكري للقوات البديلة، جزءاً ملازماً لما اطلق عليه وصف «الحرب على الإرهاب» بمأمن من المحاسبة على ما يلحقه بالمدنيين من اصابات والمشاركة في انتهاكات لحقوق الانسان. لقد ورطت هذه البرامج والنشاطات الولايات المتحدة مؤخراً في حروب لم تحصل على تفويض من الكونغرس ضد خصوم لا صلة مباشرة لهم بأحداث 11
أيلول.
يتحرى تقريرنا الجديد المقايضات والتبعات التي اسهمت في استمرار اللجوء الى ممارسات معينة بحجة بمكافحة الارهاب واسباب تيسرها، وسوف ينصب تركيزنا على انتشار وتطبيع خيارات استخدام القوة القاتلة، التي تدخل ضمنها الاساليب السرية في التعاون الأمني حين يكون استخدام القوة القاتلة والحاق الأذى بالمدنيين نتائج بديهية يمكن توقعها مسبقاً. لكي نكون اكثر تخصيصاً سوف نركز على ثلاثة برامج محددة تخضع لقواعد أقل وصيغ اشراف أخف من جانب الكونغرس مقارنة بغيرها من البرامج العسكرية والاستخبارية «التقليدية»، لاسيما صيغ الاشراف تلك التي تتحكم بالقرارات القومية، التي تتعلق بدخول الحرب ودرء الاصابات عن المدنيين والمحاسبة عليها عند وقوعها وحماية حقوق الانسان المعترف بها دولياً.
ربما كانت هناك لدى ادارة بايدن تطلعات لاحداث اصلاحات رمزية معينة وتخفيف حدة الجوانب الأوضح للعيان لما يسمى «الحروب اللا نهائية» (كأن يكون بخفض مستوى القوات في أفغانستان مثلاً) لكن، من دون التخلي عن خيار استخدام الاجراءات السرية القاتلة والبدائل الخفية لمواجهة التهديدات بتكاليف ادنى متصورة ومجازفة أقل على القوات الأميركية، وكل ذلك على اساس التفسير الفضفاض لما تعنيه «صلاحيات الرئيس الدستورية»، في بداية انطلاق حملته اشار بايدن، الذي كان مرشحاً للرئاسة حينها، الى هذه البرامج واللجوء الى الضرب غيلة بالطائرات المسيرة والعمليات التي تنفذها قوات العمليات الخاصة، بوصفها عمليات «الوطأة الخفيفة».
الاكتفاء بالخوض قرب الحواف خطأ، فقد علمتنا تجارب عشرين سنة ان العمليات السرية الخفية تحمل معها مجازفات للجهة التي تمارسها، وهي مجازفات لا يلتفت اليها ولا تعطى اهتماماً حقيقياً في اغلب الاحيان، من بينها الارتدادات العكسية جراء ما تسببه من اصابات بين المدنيين (ولا مجال للدفاع علناً عن الهدف من وراء تلك العمليات) وستار الريبة الذي يلف تلك المهمات وفقدان ثقة الجماهير. اللجوء الى نهج العمليات السرية، تحت أضيق حدود الإشراف من قبل الكونغرس، وضع القوات الأميركية في موضع التهديد، بل وضع الأمة كلها تحت طائلة الحرب. اكثر من هذا ان استخدام القوة القاتلة باستخدام طائرات مسيرة توجه ضرباتها خارج مناطق الصراعات قد وضع الولايات المتحدة بصورة المنتهك لا صورة القائد في ما يتعلق بحقوق الانسان المعترف بها عالمياً، الجنوح الى سياسة ضبط النفس الاختياري من شأنها إيجاد بديل أفضل لإدارة ترغب في أن تعيد لأميركا صورتها أمام العالم.
الكونغرس سيفيد هو الآخر من اي نهج شامل للاصلاح. تراكم الثغرات القانونية، وبرامج مكافحة الارهاب «الموازية» الخاضعة لقيود وانظمة اشراف متباينة، تتيح للرئيس أن ينتقي من بين مصادر السلطة أقلها معارضة في القرارات التي تتعلق باستخدام القوة القاتلة او تقديم الدعم لقوات الشركاء. هذا الخط السلوكي يعرض قدرة الكونغرس على أداء مهمة الاشراف والمتابعة للتداعي والانحسار وثمن ذلك هو أن يتحمل الجمهور الأميركي مغبة «كيف» و»متى» ستزج حكومته نفسها في اعمال قتل او دخول حرب. هذه المنافذ الملتوية تقوض ايضاً العديد من مبادرات الكونغرس (كثير منها إنما ظهرت الى الوجود نتيجة تمادي الفرع التنفيذي إبان حقبة الحرب الباردة). تلك المبادرات كان مقرراً لها أن تحول دون تورط اميركا في انتهاكات لحقوق الانسان.
التوصيات المشار اليها، وسواها مما ادرجناه ضمن تقريرنا، يمكن ان تصلح كنقطة انطلاق للإدارة الرئاسية والكونغرس المقبلين لضمان بقاء ممارسات الأمن القومي الأميركي محددة بالقواعد المرسومة لها بدلاً من الاستثناءات التي توظفها للاستعانة
بها.