جنون الحب ورشاقة النسق قصيدة (القبضة) لديريك والكوت

ثقافة 2020/12/07
...

  محمد تركي النصار
 
 
نشر ديريك والكوت الذي ولد في مدينة سانت لوشا في ترينداد  بالبحر الكاريبي عدة دواوين شعرية وسبع مسرحيات وكتاب مقالات واحدا منها (في ليلة خضراء) و (حياة اخرى و (كروم البحر) و(اوميروس) و(طائر البلشون) وغيرها. وقد خلق ثروة مذهلة من الشعر الحسي الخصب والقصائد التي تقرأ بمستوى عال من المتعة.. قصائد مليئة بالفكاهة والعاطفة والسياسة تتراوح بين النصوص الغنائية القصيرة والملاحم البطولية مثل رائعته (اوميروس)، التي تمثل اعادة كتابة لملحمة الاوديسة بشكل كاريبي اذا جاز التعبير.
ويرفض والكوت الاساليب التجريدية منحازا بشكل قوي الى قصيدة النسق، التي واجهت تحديات جدية في التعامل معها من قبل شعراء العصور الحديثة، انه ينحاز فطريا لقصيدة المعنى ولا يؤمن بنخبوية الشعر.
وفي قصيدة (القبضة) التي نحاول اضاءتها يستخدم والكوت لغة بسيطة لاظهار القسوة التي تصاحب تجربة الحب، ويعيش معظمنا في مرحلة من مراحل حياته تعقيد هذه الحالة العاطفية، التي يحيط فيها الكثير من الغموض، ومن خلال قراءة سريعة نلاحظ قصر وبساطة اللغة، التي يستخدمها الشاعر في هذه القصيدة المؤثرة، حيث الصور المشرقة واستخدام العناصر المتضادة لايصال التجربة:
 
(تطبق القبضة حول قلبي
ثم ترتخي قليلا
فأحس ببعض الغبطة
لكنها تشتد مرة أخرى).
 
تبدأ القصيدة بوجود شيء هو القبضة  يظهر الصراع، الغضب، الانفعال.. القلب من جانب اخر يظهر الحب والاهتمام والرعاية والرقة.
هذان العنصران المتناقضان وضعا واحدا حول الاخر ليظهرا الطبيعة الحلوة والمرة ايضا لطبيعة الحب.
القبضة تمثل الجزء المر والقلب يمثل الجزء الحلو، عندما تشتد هذه القبضة يشهق الشاعر واستخدام هذه الكلمة يقصد منه تصوير حالة معينة وهي الغرق، فعندما يغرق شخص ما فانه يشهق باحثا عن الهواء، وكذلك فإن الشهيق يمثل بحثا عن النور.. الحب يسعى لابقاء الشاعر في ظلام الخطأ والنجاة من هذه الحالة يتحقق فيتمكن الشاعر من رؤية الحقيقة لكن الحب يضيق الخناق مرة اخرى. وفي البيتين الاخيرين من المقطع الاول يسأل الشاعر سؤالا بلاغيا:
 
(لم أكن يوما الا عاشقا لألم الحب
لكن الوجع شديد هذه المرة).
 
مبينا للقارئ بأنه يعرف ان مرارة الحب قادمة لا محالة ولا مشكلة لديه اطلاقا في قبول ذلك.
لكن لماذا اللهاث والشهقات ولماذا تشتد القبضة حول القلب, يجيب بأن الحب يتحول هنا الى حالة اخرى تتمثل في نهاية القصيدة بالانحياز الى درجة من التماسك خوفا من الانزلاق الخطير.
الحب المندفع ينمو ويتحول الى مايشبه الهوس والجنون هذا الحب التملكي الذي يجعل الناس يضيعون حواسهم خطير للعشاق وابعد من ذلك من الممكن ان يكون خطيرا ايضا بالنسبة للناس المحيطين وهذا مايحاول ولكوت ايصاله في هذه القصيدة.
ضربات القبضة القوية ليست متأتية من الحب بل من الجنون:
 
(لكن الوجع شديد هذه المرة
أشد قبضة على الرجل المجنون
تسيطر على حافة اللا معقول
قبل أن يغمر الهاوية بهذا العواء).
 
انه ليس ألم الحب الان بل جنون الرغبة القاتلة بالامتلاك.
ثيمة قصيدة (ألقبضة) هي الحب والتعقيدات المصاحبة. الحب كما أسلفت هو الحلاوة المرة نحن
نحب منجذبين لحلاوته ونغادره بسبب المرارة، هذه هي طبيعة الحب، لكن الشاعر ديريك والكوت يظهر الجانب الشرس في الحب، الجانب الذي من الممكن ان يقتل انسانا، الحب هنا يتم تصويره بوصفه قفصا، حيث يأسر الحب الناس داخل هذا القفص وبعدها وبغض النظر عما تفعله أو ما اذا كان الحب نقيا أم لا فان الالم هو المشترك الثابت فيه، بالرغم من انه يكون مصاحبا للمتعة، وهذه الخاصية من متضادات الحب نراها أيضا عند شعراء اخرين  مثل بروبرت فروست  في قصيدة نار وثلج أو قصيدة الوقوف عند الغابة في مساء صقيعي، الجزء الاساس هنا هو المعاناة والجنون، وفي مقطع القصيدة الاخير يحاول الشاعر أن ينظر للامور نظرة منطقية ضاغطا على نفسه ومحاولا لجمها  لأن الاستمرار في جنون الحب يؤدي به الى السقوط ومواجهة الخيارات الاصعب  اذ يقول في الأبيات الأخيرة:
 
(تماسك أيها القلب
على الأقل
 لتقوى على مواصلة الحياة).
 
عليه لكي يستمر في الحياة  أن يخرج من ظلام الامنطق والجنون بعد أن قلت خياراته، اذ ان اشتراطات العيش تتغلب في حسم النتائج واختيار الحالة الأقل معاناة..
وتقدم قصيدة القبضة خلاصة تجربة الحب التي تتمثل بجمال السحر الذي يتحول الى قيد صعب الافلات منه ولذلك يجب أن يبقى دائما تحت السيطرة  من قبل العشاق  وتحاشي مصير الفراشة التي باندفاعها باتجاه الشعلة تعجل في مواجهة  مصير تلاشيها
المحتوم.