فلسفة نيتشه في أعماله ..بقلم صديقته المُتمناة زوجة له «لو سالومي»

ثقافة 2020/12/08
...

د. رسول محمد رسول
لو اندرياس سالومي (Lou Andreas-Salomé) واسمها الأصلي (لويزا فون سالومي)، ولدت عام 1861 في سانت بطرسبورغ، وماتت في غوتينغن سنة 1937. كانت كاتبة كثيرة الترحال وقاصة وكاتبة مقالات ومحللة نفسية من أسرة ذات أصول روسية وألمانيّة، اشتهرت من خلال علاقاتها مع أبرز كتاب العصر آنذاك ومن بينهم راينر ريلكه (1875 - 1926) وسيجموند فرويد (1856 - 1939) وآخرون، وتميّزت بصفات من بينها إشعاعها الشخصي وثقافتها وحيويتها وصداقتها مع مشاهير عصرها من الكتاب وطريقة حياتها غير التقليدية. ارتبط اسمها بأكبر فيلسوف ظهر في نهاية القرن التاسع عشر وهو فريدريش نيتشه (1844 - 1900).
أخذتها والدتها إلى روما عندما كان عمرها 21 عامًا، وفي صالون أدبي في المدينة تعرّفت على الكاتب "بول رييه"، واقترح ريي الزواج منها، ولكنها بدلاً من ذلك اقترحت أن يعيشوا ويدرسوا معًا مثل الأخ والأخت مع رجل آخر في الشركة، فقبل رييه الفكرة، واقترح أن ينضم إليهم صديقه "فريدريش نيتشه". 
وقد التقى الاثنان مع نيتشه بروما في نيسان 1882، ويُعتقد أن نيتشه وقع على الفور في حُب سالومي، وطلبت نيتشه من رييه أن يقترح الزواج من سالومي نيابة عنه، وهو ما رفضته. وكانت مهتمة بنيتشه كصديق، ولكن ليس كزوج. (ويكبيديا).
 
الترجمة العربية
حظي العالم العربي بترجمة لكتاب سالومي الى العربية قدّمها دار الرافدين في بيروت ومنشورات تكوين في البحرين لكتاب سالومي عن نيتشه وعنوانه (نيتشه.. سيرة فكرية) بترجمة العراقية الدكتورة "هناء خليف غني" عن الترجمة الإنكليزية التي ظهرت في سن 1988، وقدّم للكتاب "عدنان فالح" وسبق أن قرأنا رسائل نيتشه إلى سالومي (في بحر عشر رسائل) في الترجمة العربية لكتاب (رسائل نيتشه مختارات من سيرته وفلسفته) بترجمة "أحمد رضا" وزميله "حيدر عبد الواحد" والتي صدرت عن دار الرافدين ليأتي هذا الكتاب استكمالات للصورة التي عليها نيتشه قبل رحيله. 
وفي رسالته إليها قال لها نيتشه: "أنا أومن بكِ"، فماذا كتبت سالومي عن نيتشه في سنة 1894 وهي التي كانت كتبت عنه مقالات منذ سنة 1891، سؤال محيّر، فكلاهما على غير وفاق رغم أن نيتشه هو معجب بها حدّ الرغبة بالزواج منها، فقرّرت كتابة فصول عن نيتشه، وطبع الكتاب وصدر بحوالي 218 صفحة من القطع المتوسّط في نشرته الألمانية وهنا ترجمته الأولى إلى العربية بعد مرور أكثر من 120 سنة على تأليفه.
ولكن يبقى لكتاب سالومي ميّزات خاصّة به، فهو - وبحسب عدنان فالح - ينطوي على أهداف خبيثة للمؤلّفة بإزاء نيتشه ويشتغل وفقاً لأحابيل علم النفس الأنثوي العصابي الذي تكرّسه المؤلّفة، بحيث وُصف الكتاب بأنه فعل انتقام أنثوي! لكنه يمثل حفراً عميقاً باكراً في تأريخ الدراسات النيتشويّة حتى صدوره، وإذا أردنا أن نبقى في كتاب لو سالومي - وبحسب عدنان فالح - فإنها كشفت الجذور الدينية أو عبقريته الدينية في فلسفته بجزء منه. 
 
رسالة الى سالومي
في 1886 كتب نيتشه إلى لو سالومي رسالة تحدّث فيها عن اختزال المذاهب الفلسفية الى السجلات الشخصية لأهلها وتحدّث فيها عن تجربته في هذا الشأن وهي تريد رسم ملامح شخصيته، ولذلك يبدأ الفصل الأول "جوهر نيتشه" عن سيرة حياة الإنسان الخاصّة وهو نص من نصوص (إنساني مفرط في إنسانيته) وهو تأكيد نيتشوي للمسألة لتستعيد سالومي عبارة نيتشه الشهيرة "أنا أكتب لنفسي" التي يوردها في مؤلفاته ويؤكّدها بأنه يكتب لنفسه والتي تريد لها أن تظهر جوهر نيتشه في ملامحه الرئيسة، وتعتقد أن نيتشه كان يقف غريباً ناسكاً بين مادحيه لذلك بقي جوهره مخبوءا! لذلك أيضاً يقول نيتشه: "كلهم يتحدّثون عني وهم يتحلّقون حول نار المدفأة في الأمسيات"، والمهم أن نيتشه لم يتخف تحت أردية الضوء، لكن سالومي تتفق مع نفسها بأن نيتشه له قناع في كل مرحلة من حياته! ولكن ما هي تحولات نيتشه؟
هذا ما تتناوله سالومي في الفصل التالي، وعلى نحو جذوري ترى أن تخلي نيتشه عن العقيدة المسيحية المؤسساتية باكراً هو حد مركزي في حياة هذا الفيلسوف، وتتحدّث عن شهوة لديه بالعودة إلى الفردوس، وهناك التطوّر العقلي الذي أبعده عن هذا الفردوس، جرى ذلك وفق حوارات بينهما فترى أن السمة المميزة حقاً في أسلوب تفكير نيتشه كله هو الحركة الدائمة، التي تعيده إلى نفسه، وكان إصغاؤه إلى النغمات متزامناً مع إصغائه إلى الأفكار، يأتي هذا في ظل تحليل سالومي لجملة الأمراض النفسية والعصابيّة التي اجتاحت نيتشه منذ طفولته (انظر: ص 94). إن الفصل الثاني يكتنز بمثل هذه التحليلات وعلى نحو جديد لم يتطرق إليه أحد من ذي قبل.
 
نظرية المعرفة والغرائز
أما الفصل الثالث فتدرس سالومي فيه المنظومة في أعمال نيتشه لكنّها تؤكّد أن المنظومة تركز على حالة أشمل، ولا تنسى سالومي التأكيد بأن نيتشه يعتمد "الإلهام"، ومع ذلك تعتقد بوجود ما نسميه التوجّه نحو مباحث فلسفية مثل "نظرية المعرفة" التي تتجلى خاصّة في كتاب نيتشه (ما وراء الخير والشر). 
تتحدث سالومي عن بذور للوضعية؛ بل الرؤية النسبية تلك التي أرساها نيتشه، وتعتقد بأنه ينتصر للحقيقة بإزاء الحياة، وعلى عكس التنويريين الذين رحبو بالعقل راح نيتشه يرحب بالغرائز، وبقي يضرب بعرض الحائط كل ما هو مقدس في أغلب صوره. 
وهكذا نجد أنفسنا بصدد قراءة أكثر قرباً من فلسفة نيتشه من الناحية الزمنية تكتبها ناقدة كان نيتشه عشقها وأرادها خليلة أو زوجة له، وهي دراسة نافرة في إثارتها القضايا، التي اشتعلت عليها لو سالومي بترجمة رائقة ارتقت إلى روح وشكل فلسفة نيتشه فتحية
 للمترجمة.