جامعة الموصل تتنفس التعليم بعد {ظلام} داعش الإرهابي
منصة
2020/12/09
+A
-A
الموصل: الصباح
في السنوات الثلاث التي انقضت منذ أنْ قامت القوات العراقيَّة بجميع صنوفها، بتحرير مدينة الموصل من قبضة عصابات داعش الإرهابية، عادت الحياة إليها وما زالت هناك الكثير من الأعمال التي ينبغي أنْ تنجز خاصة بعد تلك التجربة الصادمة، والدمار الذي خلفته المعارك مع التنظيم الإرهابي.
الطلاب عادوا الى مدارسهم وجامعاتهم، التجار مشغولون في متاجرهم، والموسيقيون المحليون مرة أخرى يغنون وسط الحشود الصغيرة الآسرة. في الليل، تلمع أضواء المدينة بينما يخرج رواد المطعم إلى الشوارع.
جامعة الموصل التي كانت يوماً ما من أكبر جامعات الشرق الأوسط احترقت و"دُمرت بالكامل"، دمر الإرهاب العشرات من الكليات والأقسام، فضلاً عن تدمير المختبرات العلمية والطبيَّة، إذ تم إحراق أكثر من مليون مخطوطة وكتاب كانت محفوظة داخل المكتبة المركزيَّة في الجامعة، إلا أنَّ الموصليين لم يقفوا متفرجين بعد تحرير المدينة من الإرهاب، فقد باشرت عمليات الترميم وإعادة ما يمكن تخليصه من الكتب والمخطوطات، فضلاً عن إعادة استقبال الطلبة للعام
الجديد.
لا تزال ذكريات وحشيَّة الجماعة الإرهابية تطارد السكان المحليين الذين يتذكرون الوقت الذي كانت تستخدم فيه ساحات المدينة لمعاقبة من تجرؤوا على انتهاك
قواعدهم.
لا تزال المدينة القديمة الواقعة على الضفة الغربية لنهر دجلة، التي كانت ذات يوم جوهرة الموصل، في حالة خراب حتى مع تعافي الأجزاء الجديدة من المدينة
بحذر.
خسارة كبيرة
كانت المكتبة المركزيَّة قبيل سقوط الموصل بيد عصابات داعش الإرهابية، تضم آلاف الكتب والبحوث والمخطوطات والاطرواحات العربية والأجنبيَّة، إلا أنها تعرضت لهجمة شرسة في منتصف شهر شباط من العام 2015، إذ أقدمت (داعش) في ذاك اليوم على حرقها بالكامل ما أدى الى حرق أكثر من 998 ألف كتاب وملف وأطروحة ودورية، إذ كانت آنذاك خسارة كبيرة للعراق عامة وللموصل خاصة، فكرياً وثقافياً
وعلمياً".
وتابع الاحمدي أنَّ "المكتبة قبل العام 2015، كانت تحتوي على 600 ألف مصدر عربي، فضلاً عن 400 ألف مصدر أجنبي وبلغات مختلفة انكليزيَّة ولاتينيَّة وفرنسيَّة وألمانيَّة، لاحتوائها على 10000 آلاف كتاب نادر ومخطوط، فضلاً عن احتواء هذه المكتبة العملاقة على ثلاثين ألف دوريَّة منشورة عبر سنوات طويلة، لتعبر عما تمتلكه هذه المكتبة من إرث حضاري وتراثي يضم مدينة الموصل".
200 الف اطروحة
الدكتور جمعة القاسم (المشرف والمسؤول على المكتبة المركزية أكبر المكاتب العلمية في مدينة الموصل) تحدث لـ(الصباح) قائلاً: إنَّ "المكتبة المركزيَّة كانت تحوي 200 ألف أطروحة ورسالة ماجستير ودكتوراه، علاوة على ذلك كانت المكتبة تضم 7000 مطبوع حكومي وقديم منذ تأسيس الدولة العراقية عام
1921".
ويضيف القاسم: "بالرغم من كل الصعوبات التي تعرضت لها جامعة الموصل عامة وتحديداً المكتبة المركزيَّة، إلا أن عجلة الاعمار متواصلة، إذ تم تشكيل فرقٍ من طلبة الجامعة أطلقوا عليهم تسمية (فرق إنقاذ المكتبة المركزيَّة)، قاموا بجمع الكتب وانتشال ما أتلفته عصابات داعش، وأعادوا الآلاف من الكتب الى مجمع المكتبة المركزيَّة، إذ إنَّ المكتبة تحوي الآن 7855 كتاباً، وهناك تبرعات كبيرة من مكاتب العاصمة بغداد والخيرين تشهدها المكاتب الآن، وهناك إعمارٌ كبيرٌ في مبنى المكتبة المركزية التي عادت الى الحياة مجدداً، فضلاً عن تأهيل نحو 200 قسم داخل جامعة الموصل واستحداث كليات علميَّة في مختلف المجلات داخلها".
مراحل تدمير
وتعرضت جامعة الموصل الى دمارٍ كبيرٍ وصلت نسبته الى أكثر من
70 %، وهذا الدمار كان متعمداً لجامعة عراقية قديمة كجامعة الموصل، كونها أبرز الجامعات العراقية، فقد اضطرت الى نقل عملها في مواقع أخرى خلال سقوط الموصل على يد عصابات داعش الإرهابية في العاشر من حزيران 2014 بشكلٍ مؤقت في مدينة دهوك على بعد نحو 75 كيلومتراً إلى الشمال من الموصل، واستمرت بالدوام والتقدم العلمي مع تخريج الطلبة، واستمرار نهج العلم بعيداً عن الإرهاب حتى تمكنت القوات العراقيَّة من استعادة السيطرة على المدينة، كجزء من الحملة العسكرية لاستعادة السيطرة على كامل المدينة التي تعدُّ آخر معاقل الإرهاب في العراق.
فمنذ تأسسها عام 1968، عدت جامعة الموصل واحدة من أفضل الجامعات في العراق، وتشمل كلياتها الـ 22 مجموعة من التخصصات، على الرغم من شهرتها في مجالي العلوم
والطب.
إبان غزو داعش للموصل كان هناك ما يقرُب من 30,000 طالب وطالبة، و700 أستاذ متفرغ وأكثر من 2000 محاضر، ولا يزال الحجم الكامل للدمار المادي الذي أحدثه التنظيم في ممتلكات الجامعة والمنطقة المحيطة بها غير معروف حتى الآن، لكن يُعتقد بأنَّ آلاف الكتب والمخطوطات المحفوظة في مكتبة الجامعة قد دُمرت.
أول من دخل
وبعد ثلاث سنوات وبالتحديد في السابع من شباط عام 2017 كان الطالب بكلية الطب البيطري، ورئيس اتحاد طلبة جامعة الموصل أحمد الراشدي من أوائل الذين دخلوا ثاني أكبر جامعة في العراق بعد تحريرها من عصابات الشر، حيث تحررت المباني من سيطرة داعش.
لكنه وجد نفسه في مكان يختلف عما اعتاد عليه في حرم الجامعة، فالمباني قد دمرت وأحرقت وتضررت بشكلٍ كبير، ويقول الراشدي: "كانت الجامعة ملغمة بالكامل ومليئة بقنابر الهاون".
ويضف الراشدي: "كان حينها المنظر مؤلماً بسبب الدمار الكامل ومشهد البنايات المحروقة، وشاهدت بعيني أنفاقاً تم حفرها من داخل الحرم الجامعي، لكني كنت فرحاً بهزيمة الإرهاب وطرده من المدينة".
مبيناً أنَّ "عصابات داعش الإرهابية حولت الجامعة إلى ورش لتصنيع الأسلحة ومخازن للأسلحة، وخصصت قسماً من مبانيها لتكون سجوناً لكل من يخالفها، بعد أنْ كانت تحتضن محاضرات علمية وأنشطة ثقافية، فضلاً عن أنَّ هناك مبنى حوله داعش لمحكمة، أما باقي المباني فقد تحولت إلى سكن لأسر عناصرها".
لكنْ سرعان ما تحررت هذه الجامعة وكلياتها على يد القوات العراقية البطلة، وأعادت المبنى والحرم الجامعي لمدينة الموصل على الرغم من تدمير العمران فيها، لكنها أعادت اليوم جميع الصروح العلميَّة فيها مع عودة
طلابها".
الحملة
وفي الوقت الذي دمرت به العصابات الارهابية جامعة الموصل والمكتبة المركزية، الا ان جامعة نهضت من جديد، فقد أعيد بناء المكتبة بسقف زمني سريع بالتكاتف والتعاون.
ويقول رئيس جامعة الموصل الدكتور قصي الأحمدي لـ(الصباح): إنَّ "أولى خطوات إعادة إعمار جامعة الموصل كانت وصول آلاف الكتب من خلال تبرعات الأهالي في نينوى والمحافظات العراقيَّة، إذ تم في حينها وصول أعدادٍ كبيرة من الكتب إلى مدينة الموصل بهدف إعادة الحياة إلى مكتبة جامعتها التي دمرها داعش بداية عام 2017، إلا أن تأهيل هذه المكتبة انتهى بالكامل مع وصول التخصيصات المالية اللازمة من
الحكومة".
11 مليون دولار
ويقول الأحمدي: "إنَّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في بغداد أطلقت في حينها 22 مشروعاً لإعادة إعمار مباني جامعة الموصل، لكنَّ المكتبة تختلف كونها من أضخم مباني الجامعة، ووضعها خاص لأن الدمار كان فيها كبيراً".
ويكشف الأحمدي عن الكلفة اللازمة لإعادة إعمار المكتبة، فقد خصص لها نحو 11 مليون دولار من الحكومة الاتحاديَّة ومنظمات دولية تعهدت بإعادة إعمار المكتبة أو التبرع بالمال لتمويل إعادة الإعمار".
ويؤكد أنَّ "هناك أعداداً كبيرة من الكتب وصلت الى الموصل لدرجة أنَّ الجامعة تعجز عن إيجاد مكان مناسب لحفظها، وستوفر لها المكان لحين إعادة إعمار المكتبة وأقسامها بالكامل".
يبين الأحمدي أنَّ "جامعة الموصل حققت إنجازاً كبيراً في بناء عشرات الأقسام والكليات المدمرة، فضلاً عن إعادة أكثر من 25 مختبراً ومباني الدراسات الإقليمية والأقسام الداخلية من خلال مشاركة شركات الإعمار العراقية والجهد الهندسي الكبير في جامعة الموصل وبلدية نينوى، حتى أنهت نسبة الدمار وسيطرت على جميع المباني المدمرة، وذلك لتواصل العلم والإبداع مجدداً في هذه الجامعة العراقية الأصيلة، إذ إنَّ جامعة الموصل تسلمت من وزارة التعليم العالي أجهزة خاصة بأرشفة الكتب، وتسلمت أيضا من جامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية، وننتظر أيضاً وصول شحنة كتب من أستراليا، وأجهزة تصوير ثلاثية الأبعاد خاصة بالكتب قدمتها لنا إحدى الجامعات
الإسبانية".
واضاف الاحمدي أنَّ "هناك جامعات عراقية وعربية هي الأخرى زودت مكتبة الجامعة بالكتب".
واختتم رئيس جامعة الموصل حديثه بالقول: "مشكلاتنا من ناحية الإعمار انتهت بعد جهودٍ حثيثة وأعادت الجامعة بجميع أقسامها وكلياتها ومختبراتها للعمل بعد حملة كبيرة من الإعمار لما دمرته هذه العصابات الإرهابية لأقدم الجامعات
العراقيَّة".