أصوات للبيع

الصفحة الاخيرة 2020/12/11
...

حسن العاني 
(غمض ... فتح) كما يقال ويحل يوم الانتخابات، ومعلوم ان الاشهر التي تسبق هذا اليوم، تعدُّ من أعظم فرص العمل، انها مرحلة كرم غير مسبوقة، يمارسها المرشحون، بحيث ان الواحد منهم لا يسأل عما ينثره من دنانير ودولارات من المليون إلى المليار، وكأنه ينثرها على رأس راقصة فاتنة في عرس أُمه، ففي هذه المرحلة تنتعش سوق الإعلانات الصحفية والفضائية، وأسواق الخطاطين والاعلانات الضوئية والمصورين ومعلقي اللافتات والحدادين والنجارين.. الخ، والذكي هو من يستثمر هذه الفرصة التي لا تأتي إلا مرة واحد كل اربع سنوات.
اعترف بأنني رجل غبي، ولكنني قررت ان اجرب حظي مع العاب الذكاء، وعرضتُ صوتي للبيع مقابل مليون دينار فقط لكي لا أبدو جشعاً، ويبدو أن تجربتي نجحت، فقد اتصل بي (عبر الانترنت طبعاً) عدد كبير من المرشحين، كان اغلبهم مع الاسف قليل الذوق، فأحدهم قال لي ساخراً (مولانا صوتك على يا طبقه.. أم كلثوم لو فيروز لو بت الريف)، ولم يكن الآخر اقل سخرية واستهزاء (شنو يابه صوتك بمليون دينار؟ قابل اني دا اشتري تلفزيون بلازما لو تخم قنفات!!) على أنَّ أكثر ما أزعجني، جاء على لسان سيدة، كان كلامها اقرب إلى الشتيمة، بل هو شتيمة علنية حين قالت (انت باسمك وبطولك وبعرضك وبصوتك متساوي لفة فلافل!!)، ولأنني رجل مستور (مو مثل بعض النسوان) بلعت الشتيمة ولم ارد عليها!!
أحد المتصلين كان غاية في الأدب والتهذيب، فقد سألني (أستاذ رجاء... اذا ماكو زحمه، ممكن اعرف ليش طلبتْ هذا المبلغ العالي.. مليون دينار.. صحيح اني مرشح واحتاج أي صوت.. بس المليون هواي عليّ!)، كان ردي بالمقابل غاية في الاحترام والتهذيب (سيدي الكريم... لأن آني رجل تربوي فاضل، وعضو نقابة الصحفيين، وعضو اتحاد الادباء، وفنان تشكيلي وشاعر شعبي وانسان مستقل ومحتاج) قال لي باللهجة المهذبة ذاتها (العفو استاذ.. على وفق هذه المؤهلات انت تستحق اكثر من مليون دينار، بل إن صوتك لا يقدر بثمن، ولكن اسمح لي ان اقول لك من غير زعل، أنت على ما يبدو تجهل ضوابط الديمقراطية وقوانينها، لأن صوتك وصوت خالتي فضيلة التي لا تقرأ ولا تكتب، شيء واحد في صناديق الاقتراع.. على أية حال أدعوك إلى إعادة النظر بالسعر لكي تسهّل على المرشحين مهمتهم، ويسهل الله عليك حاجتك.. أرجو قبول اعتذاري).
لا أدري كيف فاتني أنَّ الديمقراطية تساوي بين العالم والجاهل، مثلما تساوي بين خريجي جامعة بغداد وبين خريجي سجون بغداد، ولا أدري كيف فاتني ان طريقة احتساب الديمقراطية للاصوات هي من تقف وراء وصول اعداد من المرشحين إلى مواقع المسؤولية التي لا يستحقونها، وتلك هي محنة البلد، ومع ذلك اخذتني العزة بالاثم وواصلت عرض صوتي، وقد اتصل بي مرشح يبدو أنه خبير في شراء الاصوات، وسألني (هل صوتك وحده بمليون دينار أم معه أصوات عائلتك؟!) أجبته (بالطبع انا وافراد اسرتي.. زوجاتي الثلاث وابنائي واحفادي واشقائي .. وعددنا يصل إلى المئة تقريباً) قال لي (هذا كلام معقول، أي إنني سأشتري الصوت الواحدة بعشرة الاف دينار، ولكن من يضمن حصولي على اصواتكم؟) قلت له (اقسم لك بقدسية الدستور والعملية السياسية وقبة البرلمان، ان اصواتنا لن تذهب إلى غيرك) ضحك الرجل وانسحب ورفض عملية الشراء، وتركني في حيرة.. هل السعر ما زال غالياً.. أم قسمي لم يعجبه؟!