في ترجمة الشعر الشعبي

ثقافة 2020/12/11
...

 طالب عبد العزيز
ظلَّ الشعرُ المكتوب بالعاميّة عندنا حبيس المكتبة العراقية، على الرغم من سعة القاعدة الشعبية التي تتداوله، وسوى الكتاب الاستثنائي، التأسيسي للشاعر مظفر النوّاب ( للريل وحمد) الذي صدر نهاية ستينات القرن الماضي، والذي ذاع صيته في العراق وخارجه، وتم تداوله مثل تعويذة، لم يتمكن كتاب شعري آخر من الوصول الى القارئ العربي، وهنا نعتقد بانَّ النوّاب حالة شعرية عراقية خاصة جداً، لفتت انتباه القارئ العربي لجملة أسباب منها: قصائده بالفصحى، التي تناولت قضية فلسطين، بعد النكسة 1967 بشتائمه المنتقاة، وما غُنّيَ من شعره بصوت كبار المطربين، فضلاً عن الظرف العربي، وما عرف به كمناضل عربي، له علاقات مع الرؤساء العرب، ومن قبل ذلك موقفه الثوري في الحزب الشيوعي العراقي. ومن وجهة نظر خاصة أجد أنَّ (الشعر الشعبي) وهذه تسمية ملتبسة، إذ هناك من يرى في لفظة (الشعبي) تعبيراً دونياً، كما أنَّها لفظة فيها إطلاق لصفة على عامة الشعب، وهذا غير ممكن، إذ هناك من يرى فيه (تخريباً) للغة العربية، وتجزئةً لبينة الامة القومية.. وما هذه بشاغلنا الآن، إنما نريد أنْ نقول بأنَّ هذا الضرب من الشعر فيه من النفائس الكثير والكثير، بل وبما عجزت اللغة الفصيحة عن تناوله والاتيان به، في مواطن كثيرة جداً، لكنه ظلَّ كما اسلفنا حبيس التناول الشعبي الضيق، ولم ينتفع به القارئ العربي لصعوبة اللهجة العراقية، ومحدودية وصولها اليه، كما نرى أنَّ غلبة الطارئين عليه، وامتهان البعض الآخر له، ووقوعه بين فكيّ التهريج والاسفاف أحياناً، وأسباباً أخر ضيّعت فرصة تقديره من قبل الكثير من الدارسين، وبما أبعده عن دائرة التداول الموضوعي والعلمي، بوصفه ظاهرة ثقافية قابلة للبحث.
 ومثلما يفتخر اللبنانيون بانَّ شعرهم يحلّق بجناحي المحكية والفصحى، يحق لنا، نحن أن نقول عن شعرنا بشقيه الفصيح والشعبي كذلك، مع الاختلاف طبعاً، بين اللهجة العراقية، محدودة التناول، واللبنانية واسعة الانتشار التي ساهمت الاغنية، وفيروز بشكل خاص، والاعلام، والطابع السياحي للحياة هناك، بجعلها مألوفة ومانوسة، لدى عامة العرب، بمن فيهم النخب، التي ترفض المحكية او العامية في الثقافة، وترى فيها تدميراً للغة الام كما قلنا. بقي لي أنْ أقترح امكانية ترجمة الشعر الشعبي العراقي الى الفصحى، او لنقل تفصيحه، بما يجعله في متناول القارئ النخبوي العراقي والعربي، ومن ثم يصار الى ترجمته الى اللغات الأخرى، لا أقول باستحالة ذلك، لكنني، أعرف نسبة ما يفقده من قيمته، وأهميته، وجماله، في فعل كهذا، فالشعر بتعريف بسيط هو ما يضيع في الترجمة، لكنْ، لنفكر جادين في ذلك.