أنا أعمل إذنْ أنا موجود

منصة 2020/12/12
...

  جوان جمال 
 
عندما تلتقي مع أي شخص في العراق وتتحدث معه في أمور عامة سيأخذك الحديث من دون أنْ تشعر الى مشكلة البطالة وسيطلب منك فرصة عمل له أو لأخيه أو أخته أو ابنه.
الكل في العراق يريد أنْ يعمل،  لكن لا توجد فرصٌ كافية تستوعب الجميع، فقط التعيين في القطاع العام الذي استوعب أكثر من طاقته ولم يعد يتحمل استيعاب الكثير، فهل تموت أحلام الشباب بالحصول على فرصة عمل وخدمة وطنهم، أم أنها تتحقق بالهجرة الى دولٍ أخرى ومغادرة الوطن الذي هو في أمس الحاجة الى جهد أبنائه.
حسب مفهوم منظمة العمل الدولية كمؤسسة أممية معنية أنَّ البطالة هي ألا يمارس الشخص أدنى نشاط، ألا يزاول أي عمل سواء لقاء أجر أم من دونه، أنْ يكون جاهزاً للعمل في حال توفره له.
أما المجلس النرويجي للاجئين (فافو) فيحدد العاطل عن العمل بأنه العامل المحبط الذي لا يعمل ولو حتى ساعة واحدة في اليوم وهو مستعدٌ للعمل لكنه مقتنعٌ أنه لن يعثر عليه، وكذلك العاطل جزئياً عن العمل بشكل ظاهر ويرغب بالعمل لوقت أطول، والعاطل عن العمل بشكل مستتر أي الذي يعمل في وظيفة تتسم بانخفاض الإنتاجية أو لا تستفيد من مهاراته وطاقاته.
من خلال هذه التعاريف الدولية للبطالة ربما نتمكن من معرفة الكثير عنها وهي آفة العصر بالنسبة لنا ومشكلة المشكلات التي تؤدي الى أزمات نفسيَّة للفرد ومعضلات وكوارث كبرى للمجتمع.
وهناك فرق بين عاطل يبحث عن عمل ولم يجده وعن عاطل لا يريد أنْ يعمل، وعاطل يعمل من دون أنْ تكون له إنتاجيَّة واضحة،  ونحن هنا نتناول العاطل الذي يبحث عن عمل ولا يجده.
فبعد التخرج تبدأ رحلة الشاب والشابة للبحث عن عمل، أو عن فرصة تعيين، في حقل تخصصه ذاته، وتبدأ معاناة الشباب في طرق أبواب الوزارات والدوائر التي ترتبط بنوعٍ تخصصه 
الأكاديمي، وهنا يبدأ بسماع الأحاديث المحبطة عن قلة الفرص وصعوبة أو استحالة الحصول عليها.
ويبدأ الشاب والشابة بعد العديد من المحاولات الفاشلة وتقديم عشرات الطلبات من دون موافقة، فيتولد لديه تفكير سلبي ويصاب بحالة من اليأس والإحباط وعدم الاهتمام بكل من حوله،  فمنهم من يفكر في الانخراط بعمل لا علاقة له بمجال تخصصه، وربما يقبل بأعمال بسيطة لا تحتاج الى مؤهل، كالخدمة في المطاعم والعمل كسائق سيارة أجرة، أو بائع في مركز تسوق، ومنهم من يفكر بالحصول على عمل خاص من خلال مشروع صغير، ومنهم من يستسلم للجلوس خلف جدران المنزل ليغرق في فضاء الانترنت من أجل اللهو وقتل الوقت.
ولكن القلة القليلة هي التي تفكر بالاشتغال على نفسها في تعلم مهارة جديدة تزيد من مؤهلات الشاب للحصول على فرصته مثل تعلم لغة أخرى أو التعمق في إتقان مهارات الحاسوب، أو تطوير ما يمتلك من مهارات وبعضهم حاول الدخول في مشاريع صغيرة لكسب المال.
لكن هل لدى الدولة تصورٌ كاملٌ عن 
حجم العاطلين خلال العشر سنوات المقبلة، وهل يتحول العاطلون عن العمل الى أكبر التحديات التي تواجه العراق ومستقبل أبنائه؟ هذا الأمر مهمٌ ويجب منا جميعاً دراسته ووضع الحلول الناجحة له، كي لا يضيع منا جيلٌ كاملٌ حرم من حق العمل وانصرف الى قتل الوقت باللهو أو الإحباط.