زيارة البابا.. رسالة تسامح في وجه التطرف

منصة 2020/12/12
...

  كرمليس: أ ف ب
 
في القداس الصباحي الذي يقام يومياً في بلدة كرمليس قرب مدينة الموصل، كانت الأجواء أجواء فرح وترقب غداة الإعلان عن زيارة غير مسبوقة للبابا فرنسيس إلى العراق في آذار المقبل. وقالت أديبة حنا 
(45 عاما) عقب القداس في الكنيسة الكلدانية: «كلنا فرحون (...) كنا ننتظر هذه الزيارة منذ وقت طويل». وأضافت «كلما كان يزور بلداً نتساءل لماذا لا يأتي للعراق، ألا يوجد مسيحيون في العراق؟». واعتبرت أن الزيارة «أروع خطوة» يمكن أنْ يقدم عليها البابا.
وأعلن الفاتيكان أن الحبر الأعظم البالغ 83 عاماً سيقوم بأول زيارة بابوية على الإطلاق إلى العراق بداية آذار، تشمل محطات في بغداد ومنطقة أور في جنوب البلاد ومحافظة نينوى في شمالها.
«بناء السلام»
بعد هزيمة داعش، بدأ المسيحيون في العودة تدريجياً إلى مناطقهم، ومن بينها بلدة كرمليس التاريخية التي تبعد 28 كلم شرق مدينة الموصل.
وعادت نحو 400 عائلة إلى البلدة، أي نحو نصف عددها السابق، في حين لا يزال الآخرون مترددين بسبب تردي الخدمات العامة.
وقال كاهن كنيسة مار أداي الرسول ثابت حبيب يوسف بعد القداس: إنه يأمل أنْ «تثير الزيارة الكثير من القضايا العالقة التي تقف بوجه عودة النازحين والمهجرين المسيحيين، ومنع التغيير الديموغرافي والحفاظ على هوية مناطقنا، ومباشرة الإعمار الجاد». وتابع «بدأ العد التنازلي لموعد الزيارة» التي ينتظر أن «تسهم في لفت انتباه العالم إلى العراق ودعمه».
وكان عدد المسيحيين في العراق أكثر من مليون ونصف المليون، لكن النزاعات المتتالية والاستهداف الذي تعرضوا له في مراحل عدة، أدت إلى تراجع عددهم إلى 400 ألف، وفق التقديرات.
وعبّر مدير مدرسة البلدة زهير منصور (50 عاما) بدوره عن أمله في أن تساعد زيارة البابا فرنسيس في تعافي العراق.
وقال خارج الكنيسة التي تمّ ترميمها عقب استعادة كرمليس من العصابات الإرهابية عام 2016، إنه يتطلع لأن تكون الزيارة «خطوة أولى لبناء سلام في هذا الوطن الجريح».
 
«وقت استثنائي»
ووجه الرئيس العراقي برهم صالح عام 2019 دعوة رسمية الى البابا لزيارة البلاد، لكنَّ هذا الأخير علّق جميع تنقلاته في حزيران بسبب تفشي وباء (كوفيد – 19).
وستكون هذه أول زيارة خارجية للبابا منذ بدء تفشي الفيروس في إيطاليا. ورأى بطريرك الكلدان الكاثوليك لويس ساكو أن العراق يمثل وجهة مثالية.
وقال ساكو: إنَّ البلاد تمر بـ»وقت استثنائي، وفي مثل هذا الوقت يجب أنْ يكون الأب بين أبنائه، وسيكون بين أبنائه».
ورغم أن أغلب مناطق العراق أصبحت خالية من الجماعات المإرهابية، لكن البلاد تواجه أسوأ أزمة مالية منذ عقود.
وأضاف ساكو «نحن كعراقيين وشرقيين بحاجة لأنْ نسمع صوتاً آخر غير صوت البارود. يجب أن نسمع صوت تسامح».
وفي برنامج البابا، زيارة الى مدينة أور القديمة حيث ولد النبي ابراهيم، وفق الكتاب المقدس.
واعتبر لويس ساكو أن «زيارة أور هي لأبو المؤمنين، هذه الزيارة هي حج إلى عائلة ابراهيم التي تجمع ولا تُبعد»، مشدداً على أنها تمثل «أمراً عراقياً فريداً. لا يمكن للبابا أنْ يقوم بذلك في مكان آخر».
أما كاهن كنيسة «انتقال مريم العذراء» في بغداد مارتن بني، فعبر عن الأمل في أنْ تحقق الزيارة تغييرا ملموسا في واقع المسيحيين العراقيين.
وقال: «نأمل ألا تكون زيارة إعلامية، وأن يكون لها أثر على قادتنا».
واعتبر بني المتحدر من بلدة كرمليس أن الزيارة «هدية ميلادية عظيمة وكبيرة (...) سنحتفل بمجيء المسيح بيوم 25 كانون الأول، وبمجيء البابا في الشهر الثالث» من العام المقبل.
 
مزايا «الوجود المسيحي»
من جهته دافع البابا فرنسيس عن مزايا «الوجود المسيحي» في سوريا والعراق، داعياً المجتمع الدولي إلى تشجيع عودة السكان الذين فروا جراء الحرب.
وقال الحبر الأعظم في رسالة عبر مقطع فيديو نُشر بمناسبة لقاء عبر الانترنت ينظّمه الفاتيكان مع أكثر من خمسين منظمة غير حكومية كاثوليكية تعمل في المنطقة: «أفكاري تتجه خصوصاً إلى الأشخاص الذين أُرغموا على مغادرة منازلهم للهروب من ويلات الحرب، بحثاً عن ظروف حياة أفضل».
وقال البابا الأرجنتيني في رسالته «أفكّر خصوصا بالمسيحيين الذين أُرغموا على ترك الأماكن التي ولدوا وكبروا فيها، حيث نما إيمانهم واغتنى. علينا أن نحرص أن يستمرّ الوجود المسيحي على هذه الأراضي كما كان عليه: علامة سلام وتقدّم وتنمية ومصالحة بين الأشخاص والشعوب».
وفي معرض حديثه عن جميع اللاجئين الذين يرغبون في العودة إلى بلدانهم، دعا البابا «المجتمع الدولي إلى القيام بكل ما في وسعه لتشجيع هذه العودة، عبر ضمان الأمن والظروف الاقتصادية الضرورية لتحقيق ذلك».
ورحّب البابا فرنسيس الذي يحرص على تشجيع المنظمات الكاثوليكية العاملة على الأرض، باللقاء الافتراضي «للتفكير بالمشكلات الخطرة التي لا تزال تعاني منها الشعوب العزيزة في سوريا والعراق والدول المجاورة».