لا أفهمُ بشكلٍ دقيق سبب الهجمة المستمرة على كتّاب وكاتبات شباب يكتبون أشياء بسيطة، ويضعونها بكتب بسيطة، ويُصدِرونها عن دور بالغة البساطة؟
هذه المحاكم الأدبية المنصوبة لهم في المقاهي، والسوشيال ميديا، وفي غير ذلك، وهي تحملُ بطيّاتها التنمّر والإساءة وغير ذلك، ضدّ مراهقين يكتبون مخطوطاتهم الأولى، أو نصوصهم، في طريقة الخواطر، التي كان يكتبها شباب التسعينيات والثمانينيات وسواهم بدفاتر مدرسية، مع قلب الحب المثقوب النازف، وأول حرفيْن من اسمي العاشقيْن؟
لكل امرئٍ سرديّته وعاطفته، والزمن جديد، لم يعد أحد بحاجة لدفتر، يمكن أن تطبعَ كتابك وتوقّعه، وتصنع له صفحة في الفيسبوك والانستغرام، وتنشر مقتطفات، والسوشيال ميديا توفّر لك جمهوراً مهما كنت، وكيفما كتبت.
في كلّ العصور، ثمّة أدب جيّد وأدب رديء، الفارق أن الآن بإمكان الأدب الرديء أن يصل إلى السوق، لكنه لن يصنع أثراً إلا على المتلقي السطحي، الذي لم يقرأ سابقاً، ولم يختبر جدّية النصوص الفعلية، المصنوعة من عجينة الرؤية، ودم القلب.
دعوهم يكتبون، بالمحصّلة لن يدخلَ كتابٌ رديء رفّ الأدب الجيّد، بطريقةٍ ما أنّ الأدب الجيّد ومنظومته لم يدخلها كتابٌ رديء على طول البشرية، «الكوميديا الإلهية» مركزيّ لأنه كتابٌ ممتاز، وكذا الحال مع مسرحيات شكسبير، أو ديوان المتنبي، لم تحتفظ ذاكرة العالم بكتاب رديء أو سيئ.
يوفّر هؤلاء الشباب بالأقل فرصة عمل وازدهار لسوق الكتاب، وبالمحصلة لا يحتفي بهم نقد، لأن نصوصهم لا تستحق فعلاً، ولا ينتشرون، وينطفئون بعد كتابٍ أو كتابين.
دعوهم يكتبون، فهم يكتبون بمناطقهم الخاصة، لأصدقائهم، ولا يزاحمون أديباً جادّاً، ولا نصّاً فعلياً، هي رغبة لديهم بأن يكونوا كتّاباً، وما الخطأ في ذلك؟ الكل يتمنى حتى الطغاة! وبإمكان كل مخلوق أن يكتب ويطبع، لكن كيف ستستقر على جدار الأدب العراقي أو العربي؟ تلك هي المسألة!
دعوهم يكتبون، فإنهم بمواجهة أعظم ناقد في العالم، الذي يواجه الجميع: من المتنبي لأي شاعر سطحي، ومن هوميروس إلى أي سارد بارد، الناقد الذي لا يقفُ
بوجهه إلاّ الأدب الفعليّ الجيد الحقيقيّ، الناقد الذي اسمه: الزمن!