أريد ازعاجك!

الصفحة الاخيرة 2020/12/12
...

حسب الله يحيى

بدءاً، اعتذر للقراء الكرام عن هذا العنوان الاستفزازي كما يحلو للفيلسوف الكندي آلان دونو وصف امثاله في كتابه المهم والمثير للجدل (نظام التفاهة) / ترجمة : د.مشاعل عبد العزيز الهاجري، ولان (التفاهة) صارت (نظاماً) مألوفاً في حياتنا اليومية، اذ نجدها لدى بائع الخضار، مثلما نجدها لدى موظف الاستعلامات في اية دائرة، وصولاً الى مسؤولين كبار، لا صفة لهم سوى (التفاهة) بمعناها المتداول الذي يجرد الحقائق والاشياء من قيمتها واصولها واخلاقيتها ومعرفتها ووعيها، لتبقى على فراغها وهشاشتها وهامشيتها، ولأن هذه (التفاهة) قد وصلت الى اعلى مستوياتها في واقعنا الراهن، اذ جعلت سائق سيارة للاجرة يتخذ من عبارة (أريد ازعاجك) اسمى وابهى واحكم حكمة يؤمن بها ويتخذها نبراساً في حياته، من دون حياء ولا خجل ولا مسؤولية يمكن لاحد الوقوف على الضد منها ومن امثالها، وانما هي عبارة لا يتعامل معها شرطي المرور الا بالسخرية في حين يفترض محاسبة صاحبها بغرامة واحالته للقضاء بوصفها تسيء الى الذوق العام،  ام ان هذا (العام) من الناس لا اهمية له في قانون المــــــــرور..؟!
واذا ما تغافل القانون عن هؤلاء الذين يسيئون الى الذائقة العامة، أ ليست هناك دوافع انسانية وانتباهة من احد الى كتابة من هذا النوع الذي يسيء الى الناس ويزعجهم ويقدم منشوراً علنياً، فأي سلوك يتخذه صاحب هذه (الحكمة) التي يريد من خلالها ازعاج واساءة السلوك ازاء سواه ؟
نعم.. هذا سلوك  تفاهة وفي العلن تتم عملية اعمامه، ويتغافل عنه (الجهل) الذي بات شائعاً كما الماء والهواء ، ليصبح هو القوة السائدة والتوجه المقبول !
ولا علينا من رصاص مجاني يرعب اطفالنا في الافراح والاتراح .. ولا علينا من هذا الصخب الجوال والثابت الذي يملأ كل مكان من قبل الباعة الذين يتجولون في الاحياء ليل نهار، ولاعلينا من فوضى السير وانفلات المزامير بكل انواعها.
لا علينا من اغاني (التكتك) الجوالة التي تنم عن ذائقة تلزم الناس بالاستماع اليها مكرهين ..
لا علينا من هذه العبارات الخشنة والمسيئة للاخلاق التي تمتلئ بها صفحات اجهزة التواصل،
ولا علينا من هذا ولا من ذاك، فمفهوم الحرية لدى هؤلاء يعني ان بمقدورهم ازعاجك ، فهذا جزء من الحرية الشخصية، ومن التفاهة التي يريدون أن يصلوا عن طريقها الى ازعاجك ! 
اي المخلوقات هذه التي تريد ازعاج الاخرين، و اي مسؤول يجرؤ على محاسبة هذا النوع من التفاهة التي تريد ايصالها الينا بالاكراه ؟
ترى متى نسن قوانين تحترم فيها حياة المواطن وتحميه من التافهين والجهلة والمتطرفين واصحاب الافق الضيق والذائقة المنطفئة ؟
المواطن نبض الحياة ، فلماذا يريدون ايقاف هذا النبض وقتل الحياة فيه ؟