ابتهال بليبل
منذ زمنٍ بعيد وأنا أرغب ثانية باقتناء ماكينة خياطة جديدة ولسبب ما لم أتمكن من ذلك، إنَّ كلّ ما أردته هو ترقيع الملابس أو لتثبيت أزرار قميص أو إبزيم سحابة بنطلون اقتلعت سهواً، على الرغم من خبرتي القديمة في التفصيل والخياطة ولكن يبدو أنَّ السبب الحقيقي لرغبتي هذه يتعلق بشيء آخر.. شيء كامن في عقلي الباطن.
تعلمتُ الخياطة، ولم أتركها حتى دخلت عالم الكتابة. ولطالما تأملت الآثار الايديولوجية المتبادلة بين الجسد والتجربة وانعكاساتها على الجسد الأنثوي داخل «العمل الذي يستبعد نوع الجنس» علماً أنَّ الرجال لا يفزعهم ذلك.. ربما لأنَّ انخراطهم بهذه المهنة لا يغير شيئاً من الطبيعة الجنسانيَّة، ولكنهم حتماً، لم يكونوا راضين تماماً.
لا بدّ انَّ من كانت محظوظة ولم تجرب الخياطة قد تشعر بذات شعور من لم تعرف القراءة والكتابة، مع فارق بسيط: أن الخياطات دائماً ما يتمّ وصفهن بأنهن «أميات» لكنَّ خياطة منطقتنا التي كنت أعرفها في طفولتي كانت متعلّمة وكان لمقترحاتها على الموديلات مسحة من الوعي بالجسد الأنثوي.
مع ذلك، لن أتحدث الآن عن خبرتها. فلديّ ما هو أسوأ بين علاقة الخياطة والكتابة، أو بمعنى أصح، عن سياسة الجسد الضمنيَّة للممارسات الأنثويَّة.
بدأ ذلك متأخراً، عندما اكتشفت أنَّ فعل الخياطة وملحقاته: (كشتبان، إبرة، خيوط، مقص) يشير إلى أولويّة عمل المرأة على الكتابة. وهذا يتوافق مع خطاب أسري حدّد ستراتيجيات اعتمدتها النساء. ولكن من ينتظرن اعترافاً بهن لتسويغ انخراطهن في الكتابة من خلال ادعائهن بأنهن كنّ حريصات على إنجاز الواجبات المناطة بهن قبل الشروع في الكتابة، ومن ثمّ، تأكيدهن ضمنياً بأنَّ للعمل في المنزل كالخياطة مثلا قيمة تفوق قيمة الكتابة.
الذي يدعو للإثارة هنا ويتجاوز مسألة الاستقلالية هو بالنسبة للنظريات النسويَّة تذكيراً بتداعيات هذا الاعتراف الذي يعتقد من - التلذذ قوله – وكأنه مكافأة لا تستحقها المرأة.
يذكّرني ذلك أيضاً، بأنه ليس هناك ما يُدلّ على أنَّ الخياطة في المنزل تفتح رؤى للحرية والاستقلاليَّة، فهي ليست عملاً يعتمد على جهد القراءة، وإنَّ أقصى ما تبلغه هو اقتناء ماكينة خياطة وزبونات مترفات، على عكس الكتابة النسويَّة التي تفتح رؤى جديدة بوصفها الصوت المحفّز الذي يتجاوز التهميش والإسكات والانتهاك.
لكنَّ الأمر أكبر من هذا، عندما تستخدم «الخياطة وملحقاتها» في التقسيم الجنساني عبر الكتابة. هناك عددٌ لا بأس به من الكتابات النسائية مرتبطة بتجربة الخياطة، التي غالباً ما تظهر في ذكرياتهن كوسيلة للتعبير عن الجسد الضمني، فيكون بوسعهن الإحساس بسلطة إجادتهما سوياً لمهارات الصياغة والتركيب.
لثيمة الخياطة إذنْ مساحة زلقة، قلقة، عند ولوجها يصبح من الصعب أنْ نرصد توجهاتها. لقد كان الأدباء الذكور وما زالوا يميلون إلى إعطاء دلالات ايروتيكية لصورة امرأة تخيط، حتى تبدو أية مهارة لها خالية من المعنى، إذ تتم إعادة الصورة النمطيَّة للمرأة بدلاً من الاعتراف بفعل الكتابة. قد تكون الخياطة في حد ذاتها مقدسَّة، ولكن يجري تقديمها بطريقة ايروتيكية في الكتابة النسائيَّة بفعل تأويلات ذكوريَّة.