العالم سينما (الإرهاب والكباب) (1)

منصة 2020/12/13
...

  عفاف مطر

قد يعد البعض منا أن السينما ليست سوى وسيلة ترفيه، وهذا صحيح، وقد يعدها البعض الآخر وسيلة ترفيه وتعليم في الوقت نفسه، وهذا أيضاً صحيح، ولكنها في كثير من الأحيان تحمل صفات وأغراضاً أخرى، منها التوثيقي، مثل أفلام الحروب، فكم فيلم أنتج لتوثيق بعض حكايات الحروب؟ لا سيما العالميتين الأولى والثانية، وأفلام سير ذاتية، وهناك أفلامٌ تعطي وجهة نظر مستقبلية، عبر مراكب تنقل أبطال الفيلم الى المستقبل، وأخرى ترجع بنا الى الخلف عبر مراكب تنقل أبطال الفيلم وتنقلنا معهم الى الوراء. 

وسط هذا الكم الهائل من الأفلام وأغراضها، يهمني تلك الأفلام التي تعتمد على ذكاء المتلقي، وهذا لا يعني بالضرورة أنها من فئة تلك الأفلام التي لا تلاقي رواجاً عند الجمهور، والتي يطلق عليها أحياناً بـ»أفلام النقاد»، لا، بل قد تكون تلك النوعية من الأفلام ذات قاعدة جماهيريَّة واسعة جداً، وظاهرياً لا تحمل قيمة إنسانية أو أخلاقية، بل هي مجرد تشويق وإثارة ومتعة، إلا أنَّ الحقيقة هي تحمل أكثر من ذلك بكثير، كما أنها تخاطب اللاوعي عند المتفرج من دون وعي منه.
 
متلازمة ستوكهولم
قبل أنْ أقول لكم بعضاً من هذه الأفلام، سأعود بالزمان الى الوراء قليلا، لا بُدّ أنَّ الكثير منكم يعرف متلازمة ستوكهولم (Stockholm syndrome) ولمن لا يعرف، سأحكي عنها بإيجاز، في العام 1973 قام Erik jan Olsson مع مجموعة من الرجال بالسطو على أحد البنوك في ستوكهولم، واحتجزوا الرهائن لمدة ستة أيام في قبو البنك، استطاعت الشرطة أخيراً تحرير الرهائن وإلقاء القبض على اريك وأفراد عصابته، لكنَّ ما حصل لاحقاً كان مثيراً للدهشة، إذ لم يرضَ أحدٌ من الرهائن أنْ يشهد ضد اريك، ليس ذلك فحسب بل قاموا بحملة تبرعات لجمع المال اللازم، لتعيين محامٍ لاريك. كيف تعاطت السينما عبر قصصها في عرض هذا المرض - متلازمة ستوكهولم-، وهي حالة شائعة جداً، ولكن أغلبنا لا يعلمون. فسر علماء النفس تصرفات الضحية بأنَّ التعاطف مع المعتدي الذي يصل في الكثير من الأحيان الى حد التماهي، هي وسيلة دفاعيَّة يستعملها العقل لحماية صاحبه من شعور الألم الملازم للتجربة، فيعتقد أن الوقوع في حب الضحية التي تؤذيه قد يحيمه من الوقوع في تجارب مشابهة مستقبلاً، وأنَّ من كان باستطاعته أنْ يؤذيه حتماً بإمكانه أنْ يحميه، وأنَّ المعتدي فقط لأنه لم يقتله أو وفر له الطعام، وبذلك هو يشبع غريزة البقاء، سبباً كافياً للوقوع في حبه.
عادل إمام في فيلم (الإرهاب والكباب) يقدم لنا أنموذجاً حيّاً لواقعة ومتلازمة ستوكهولم، فتقديم وجبة غالية مثل الكباب للموظفين الفقراء، وإبقاؤهم على قيد الحياة، كانا سببين كافيين لمساعدته في الهرب من الشرطة.
في المقالة القادمة سأتطرق لفيلم عالمي، لم تتعاطف الضحايا في الفيلم مع البطل الشرير فقط، بل والجمهور كذلك، الى حد أنَّ شعبيته غلبت وتفوقت على شعبية البطل المنقذ، وسأشرح في المقال القادم كيف يمكن أنْ يحصل مثل هذا الأمر، لقد تحول المشاهد فيه من طرف ثالث محايد الى مؤيد للبطل الشرير؛ إنه فيلم الجوكر، الذي ما زال علماء النفس حتى ساعتنا هذه يكتبون عنه. إنه فيلم يخفي أبعاداً نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية قد لا تخطر في بالكم.