الغونكور من نصيب «مسألة شاذة»

ثقافة 2020/12/13
...

حسن جوان
 
لم يكن ازدواجاً متعلقاً بالهوية الفردية او الجماعية، لكنه كان اشكالاً فيزيائياً مرتبطاً في تكرار الوجود لمجموعة استقلت طائرة هبطت مرتين في مطار واحد بذات الرحلة ونفس الركاب. هذا ما تلعب في مسرحه الخيالي رواية «مسألة شاذة» للكاتب الفرنسي «ايرفيه لو تيلييه» الفائزة هذا العام بجائزة الغونكور الادبية الفرانكفونية والتي أعلن عنها مطلع الشهر الحالي عبر دائرة فيديوية. كيف هبطت هذه الطائرة مرتين؟ هذا هو السؤال الاول الذي تطرحه الرواية على لسان أحد اعضاء أمن مطار كينيدي بحسب الرواية التي تقع احداثها في العام 2021. 
لم تسمح سلطات مطار كينيدي بنيويورك لطائرة بوينغ 787 تابعة للخطوط الجوية الفرنسية، قادمة من باريس بالنزول، وحوّلت وجهتها نحو قاعدة عسكريّة حيث خضع طاقمها وركابها للتفتيش والتحقيق على أيدي خبراء مكتب التحقيقات الفيدرالي، ليدور الحديث ما إذا كان ركاب تلك الرحلة مخادعين، أو مستنسَخين، أو أرواحا عادت إلى الحياة، ذلك أن الرحلة نفسها والطائرة نفسها والطاقم نفسه والركاب أنفسهم حطّوا بمطار كينيدي قبل ثلاثة أشهر، أي في مارس 2021. 
أما الركاب فلم يفهموا في البداية سبب استقبالهم بتلك الكيفية، وكأنهم رهائن، كل ما يتذكرونه أن رحلتهم تخللها اضطراب، إذ واجهت الطائرة اثناء تحليقها فوق المحيط الأطلسي عاصفة من البرَد قبل أن يعود الزمن إلى سيره الطبيعي، غير أن الزمن هنا هو زمن الرصد الجوي، أما الزمن الحقيقي فقد تغير، إذ كانوا يعتقدون أنهم في شهر آذار والحال أنهم مرّوا مباشرة إلى شهر حزيران. 
المشكل أنهم سبق لهم أن نزلوا جميعا في مطار كينيدي بنيويورك منذ شهر آذار، ومضى كل واحد منهم إلى غايته. فمن يكون إذاً هؤلاء الذين نزلوا هذه المرة بالمطار نفسه  والمدينة نفسها؟ كل مسافر له مثيل يشبهه في كل شيء، بل لعله هو شبيه الشخص الذي سبقه إلى هذه المدينة، أو نسخة منه. ثم اكتشفوا أن لوجودهم مصيرا لا يعرفون هل عاشوه أو هم يعيشونه، فهم أصغر من أعمارهم بثلاثة أشهر من هويتهم. 
سوف يعلمون، وهم يواجهون أنفسهم بأنفسهم، أن حياتهم تغيرت في تلك الأشهر الثلاثة، في الاتجاه الأحسن أو الأسوأ. أحدهم مثلا انتحر، ولكن مثيله لا يزال يعيش، وأخرى صارت حاملا، في حين أن مثيلتها لم تحمل، 
وزوجان انفصلا في شهر حزيران، ولكنهما في شهر آذار لم يكونا منفصلين.
الكاتب الفرنسي لوتيلييه هو روائي حاصل على شهادة الدراسات المعمقة في الرياضيات وماستر في الفيزياء الفلكية، وهذا ما يوضح توظيفاته العلمية في سردياته لا سيما في روايته الفائزة هذا العام، والـ «غونكور» هي جائزة رفيعة معنية بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية تمنحها أكاديمية “غونكور” سنوياً لعمل نثري، أُنشئت وفقاً لوصية الكاتب أدموند دي غونكور.