الكتاب.. العشق الأول

ثقافة 2020/12/13
...

  حبيب السامر
 
ينشأ حب الاطلاع والرغبة في اقتناء الكتاب في مراحل مبكرة من وعي الإنسان وشغفه بالمطالعة، ثم ينمو هذا الغرس مع التوق الأول من خلال المكتبة المدرسية، أو ما تتركه بيئة الطالب في تواجد المكتبة في البيت، تجعل الكتاب في متناول اليد وتشجعه على متابعة شغف القراءة، وللصحبة وجماعات الأقران من محبي الكتب دور في تفاعل تبادل المطبوعات، فضلا عن انتشار المكتبات المركزية في الأقضية والمراكز المحافظات، وهي تعج بمختلف أنواع الكتب وفق تبويب متقن وأمين مكتبة ماهر يعمل على إعارة الكتب للقراءة في قاعتها الهادئة، الأثر الكبير في ديمومة الحصول على كتب تدخل ضمن اهتمامات الحقبة الزمنية وتتصاعد مع مرور الوقت.
من هنا تبدأ ملامح اللحظات الأولى في التوق للحصول على الكتاب المعرفي بمختلف صنوفه وفق مدركاته الانسانية وتطلعاته في الحياة وبحقب متفاوتة مسندة الى التنشئة الاجتماعية، لكن مع تصاعد وتيرة التطورات التقنية الحديثة، وتشعبات علوم الاتصالات والمعلوماتية، واهتمام الجيل الجديد بالمعرفة المتطورة، والتقانات الحديثة، وتشعب وسائل التواصل الاجتماعي والإغراءات الكثيرة في وصول المعلومة بيسر دون أدنى عناء، أسهمت بشكل كبير في جعل واقع الكتاب المطبوع والقراءة معاً، مسألة علاقات اجتماعية عامة تؤثر وتؤشر بشكل ملحوظ تراجع أسواق الكتب واعتماد توقيع المؤلف والتقاط صورة معه كبنية أساسية في ترويج المطبوع الذي يعتمد بشكل رئيس على إمكانية نشر المؤلف لكتابه عبر وسائل متعددة، ولهذا التراجع أسباب كثيرة قد أوضحتها دور النشر في مناسبات عدة أوعز بعضها الى فنون عملية القرصنة لبعض كتبها الأصلية وإعادة طباعتها بنسخ رديئة وبأسعار رخيصة، وبيّنت أن هذا سرقة جهد دون وضع أبسط قواعد وآليات قانونية تحفظ حقوق النشر.
رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
لِكُلِّ زَمانٍ مَضى آيَةٌ         
وَآيَةُ هَذا الزَمانِ الصُحُف
ماذا لو تواجد بيننا الشاعر شوقي الآن، ويرى مئات الصحف والمجلات والكتب بألوانها البراقة وأبواب تناولها المختلفة وموضوعاتها ومقتضياتها، بورقها الجميل وإخراجها المشوق الورقية منها والإلكترونية وعزوف بعض شبابنا عن القراءة، يجعلنا في حيرة من هذا الزخم المتناقص في اقتناء الكتاب والصحف، قد تكون هناك أسباب عدة تقف في مقدمتها المستوى المادي وارتفاع سعر الكتاب، تضعها في إشكالية مثيرة تحتم علينا الخروج من هذه الظاهرة التجميلية خارج منظومة السعي للحصول على الكتاب والشوق الدائم للقراءة لجعل معادل موضوعي للوعي والمعرفة والثقافة.
هناك أرقام مثيرة للريبة والخوف في آن واحد، تشير الى تراجع معدلات القراءة في العالم العربي بالمقارنة 
مع أوربا، هذه الأرقام المتشائمة تدعو الى مراجعة حقيقية فيما لو تحققنا جيداً من هذه الإحصائيات المعتمدة في تقرير التنمية الثقافية، ربما هي ليست وليدة اليوم لأن فجواتها بدأت بالتباعد، ومع انحسار مكتبة المدرسة والبيت وحتى المكتبات العامة، وهنا تقع المسؤولية علينا في نشر الوعي لزيادة الرغبة في القراءة وتضيق الفجوة بين دور النشر والقارئ من خلال بث روح المطالعة والتعريف بأهمية المعرفة والثقافة والإيمان بها كسلاح مهم في مواجهة التحديات.