الذاكرة المفقودة

الصفحة الاخيرة 2020/12/14
...

سامر المشعل 
تواجه الباحث أو المتابع لتراث الفن الغنائي العراقي عقبة كبيرة، وهي عدم وجود ارشفة وتوثيق للمنجز الغناسيقي بأسماء مبدعيه، وعلى الرغم من أننا نملك حضارة تمتد الى سبعة الاف سنة، لكننا لا نحتفظ بارشيف يوثق لنا ما حدث بالامس القريب!، فنحن نعيش بذاكرة مفقودة. وهذا عرض التراث العراقي ليكون نهبا لفناني الدول الاخرى.
وللأسف بدلامن ان تتنبه الحكومات والمؤسسات الثقافية الى هذا الفراغ والحاجة الى توثيق اعمالنا التاريخية وتحفظ الموروث الفني العراقي، ساهمت بضياعه واتلاف جزء كبير منه، بسبب السياسات الفاشية، التي لا تنسجم مع هذا الفنان أو الجهة التي ينتمي اليها، وهذا ما حدث للفنان المناضل فؤاد سالم، الذي أتلف نظام حزب البعث اغانيه، بسبب انتمائه الى الحزب الشيوعي ومعارضته للنظام، كذلك فعل مع الفنان قحطان العطار، الذي خرج عن طاعة النظام وغادر العراق من دون عودة.
ومن الجرائم الفنية ان يتم تهجير الاخوين صالح وداود الكويتي من العراق، وهما من أسسا الاغنية العراقية الحديثة، بل اطلق على الفنان صالح الكويتي بأنه " ابو الموسيقى العراقية "، والادهى من ذلك ان يتم اتلاف تراث صالح وداود الكويتي، بامر من سلطات النظام السابق، على اعتبار انهما يهوديان. بالمقابل قامت اذاعة اسرائيل بتسجيل كل تراث صالح وداود الكويتي، واستولت عليهما وعدت ذلك من حق التراث الاسرائيلي.
الجدير بالذكر أن تلفزيون العراق الذي تأسس بالعام 1956 وهو اول تلفزيون بالعالم العربي، كانت حفلات الفنانين تبث مباشرة، ولم يكن هناك جهاز تسجيل لهذه الحفلات النادرة، وعندما ادخل جهاز التسجيل مطلع السبعينيات من القرن الماضي، لم يسع القائمون على التلفزيون الى اعادة تسجيل وتصوير هذه الحفلات، على الرغم من ان اغلب الفنانين كانوا على قيد الحياة، لتذهب بذلك ثروة فنية وموسيقية هائلة لا تقدر
 بثمن.
بينما نجد البلدان التي تعتز بتراثها وتاريخها لا تألو جهدا من تأكيد هويتها التاريخية في حفظ موروثها من الضياع، فمصر بعد وفاة عبد الحليم حافظ، استدركت ان التلفزيون الكويتي، كان قد سجل عدة حفلات للعندليب وهي لا تملك هذه التسجيلات، ومن ضمن هذه الاغاني، أغنية " يا هلي ياهلي " وكان يرتدي العقال العربي. اخذت مصر تطالب الكويت باستعادة هذه التسجيلات، على اعتبار حليم يمثل رمزا من رموز التاريخ المصري، ومن حقها ان تحتفظ بتاريخه، رفضت الكويت ان تعطي هذه التسجيلات، لأنها من حق التلفزيون الكويتي. حتى حدثت ازمة دبلوماسية بين البلدين، تمت تسويتها بأن اعطت الكويت نسخة " coby" لمصر واحتفظت بالنسخة الاصلية.
في أغلب بلدان العالم نجد هناك متاحف لرموزهم الفنية والموسيقية مثل موزارت وبتهوفن وباخ وام كلثوم وعبد الحليم، أصبحت مزارا سياحيا وثقافيا، الا نحن لا نملك هذه البيوتات والمتاحف، لاننا لانقدر قيمة الفنانين في حياتهم، ولا نحفظ تراثهم بعد مماتهم كجزء من الذاكرة الابداعية العراقية.
هل يعلم دارسو الفن والقائمين على الثقافة، ان لدينا موسيقارا عراقيا عملاقا، كان قبل مئة عام مصدر اشعاع في الموسيقى والانشاد الصوفي في بلاد الشام وتركيا ومصر، هو ملا عثمان الموصلي، لكننا لا نملك ارشيفا يوثق أعماله؟ ولولا التلفزيون الكويتي الذي صور حفلات ناظم الغزالي في الكويت، لما شاهدنا سفير الاغنية العراقية على الشاشة اطلاقا.