فاروق القاسم.. قصةُ نجاحٍ عراقيَّة في المهجر

منصة 2020/12/14
...

  أوسلو: سندس الساعدي
اتصلت به وحدثته عن رغبة جريدة «الصباح» بالحديث معه عن تاريخه وعلمه ومحطات حياته وهجرته وما حمله معه من العراق الى النرويج. رحَّبَ كثيراً وسُعدتُ بالحديث معه. استوقفتني مفرداته، عندما سألته عن فضله على النرويج أجابني: النرويج هي التي استمعت لي ووثقت بي... إنه فاروق القاسم عالم جيولوجيا النفط عُرف عن دوره في استكشاف النفط في مملكة النرويج.
جيولوجيا البترول
ولد في البصرة عام ١٩٣٤ وتعلم في مدارسها، ثم غادر الى المملكة المتحدة ليدرس في كلية لندن الامبراطورية وتخرج في موضوع جيولوجيا البترول (Imperial College London)، التقى زوجته الأولى هناك، وعادا الى العراق عام ١٩٥٧ ليعمل في شركة نفط العراق، إذ عمل في الاستكشاف وجيولوجيا المكامن وتخطيط تطوير الحقول النفطيَّة في البصرة جنوب
 العراق.
رُزقا ثلاثة أبناء وشاء القدر أنْ يكون الولد الأصغر مريضاً وبحاجةٍ الى علاج دوري لكن هذا الدواء غيرُ متوفرٍ في العراق، فقررا البحث عن حل، فتواصلت الأم مع بلدها النرويج، وأخبروها بإمكانيَّة العلاج والمتابعة في النرويج، فعقدت الأسرة العزم للسفر الى هناك لإنقاذ الابن... فكانت هذه الهجرة الثانية لقاسم لتُغير مستقبله ومن ثم تستفيد منه النرويج
 أيضاً.
 
فرصة عمل
حط رحاله في أوسلو عام 1968 بعد أنْ قضى أحدَ عشر عاماً في العراق، وبدأ البحث عن فرصةِ عملٍ فعرضت عليه وظيفة مستشار في وزارة الصناعة النرويجيَّة، ومن هنا كانت انطلاقتُه المهنية، فكان له دورٌ فعالٌ في تأسيسِ النهجِ النرويجي لإدارة قطاع
 البترول.
في تلك الفترة الزمنيَّة كانت صناعة النفط في بداياتها في النرويج، وكان البلد يفتقر للملاكات والخبرة، وكانت الاستكشافات النفطيَّة تسير في خطواتها الأولى، ويبدو أنَّ السيد فاروق قد استطاع توظيف خبرته العراقيَّة في شركة النفط العراقية لتساعد قطاع النفط
 النرويجي.
وهكذا لَعِبَ دورًا رئيسًا في تطوير مديرية البترول النرويجية كهيئةٍ تنظيميةٍ نرويجية حيث كان مديرًا عاماً لإدارة المصادر (1973 - 1990) وأصبح مسؤولاً عن التخطيط والإشراف على العمليات البترولية التي تجريها شركات النفط.
وقد عمل في العديد من اللجان الحكومية في النرويج في ما يخص أبحاث وتطوير الطاقة والبترول، وتطوير الحقول وستراتيجيات تطوير
 الغاز. 
خبرته الطويلة والمتنوعة في الإدارة الفنية وإدارة البترول أعطته فهماً قيماً للحاجة إلى التعاون الفعال بين مختلف الاختصاصات، وكذلك بين الكيانات والمؤسسات المختلفة، إذ يعدُّ التواصل الفعال وتقدير الأدوار من العوامل الرئيسة للنجاح.
ومع مطلع العام 1991 كرس السيد قاسم معظم وقته للعمل الاستشاري الدولي لمدة ثلاثين عاماً، وهو يقدم المشورة للبلدان النامية في إفريقيا وآسيا في الشرق الأوسط وأميركا الجنوبيَّة. 
وقد انصبت استشاراته في مجالِ الحوكمةِ الرشيدةِ لقطاعِ البترول وذلك لتأمين الاستغلال الأمثل للمصادر النفطيَّة لمساعدة الشعوب في تحقيق فوائد مستدامة من خلال استخراج النفط والعائدات البتروليَّة
 ومشتقاتها.
 
نجاح ومثابرة
استمر الرجل في أداء مهامه الوظيفيَّة في مناصب متعددة حكومية وخاصة استمرت لثلاثة وستينَ عاماٍ كانت حافلة بالنجاح والمثابرة من رجلٍ أحب
 عمله. 
وقدرته الدولة النرويجية كأحد رجالها المتميزين، الذين قدموا للمملكة خدماتٍ جليلة. وهكذا منحه ملك النرويج عام 2012 لقب فارس من الدرجة الأولى وحامل وسام القديس أولاف الملكي. فاروق القاسم قصةُ نجاحٍ عراقيةٍ في المهجر جـدَّ واجتهدَ، احتضنته النرويج وقدَّرت مواهبه وأفكاره، فأعطاها وكان وما زال أحد الأعلام والرجال المشهود لهم في القطاع النفطي الحكومي في
 النرويج.