مشكلة البناية!

الصفحة الاخيرة 2020/12/15
...

حسن العاني 
في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، كنت مجبراً على أن أبحث عن عمل – أي عمل- اكسب منه مالاً يساعد في دفع القسط السنوي لدراستي الجامعية، ومع أن مبلغ القسط بمنظور مرحلتنا لم يكن شيئاً يذكر، ولاقيمة مالية له (60 ديناراً)، ولكن مثل هذا المبلغ في العقد الستيني، كان قادراً على شراء ذمة سياسي من الالفية الثالثة !.
نظلم الحاضر اذا قلنا انه يعاني من مشكلة البطالة وعدم توفر الفرص،ففي الماضي كان الامر كذلك، ومن هنا، وبصعوبة حقيقية، اصبحت في العام الدراسي 1966 - 1967 عامل بناء نهاراً، وطالباً جامعياً في المساء، كما اصبح بمقدوري عبر الـ (600) فلس التي اتقاضاها اجوراً يومية،أن اتدبر مصروف الجيب، ومصاريف الكتب والملازم وقسط الكلية .
كانت طبيعة العمل، عبارة عن ترميم وتأهيل بناية واسعة تضم قاعة كبيرة و (22) غرفة، وعلى ما علمت يومها فان الدولة اشترت هذا العقار من صاحبه بثمن زهيد جداً، لكي تحوله الى دائرة حكومية تابعة لوزارة المالية على ما اظن، ويبدو ان ثمن العقار الزهيد له علاقة بتعرض البناية لاكثر من مرة الى تخسفات وتشققات في جدرانها وسياجها، وان عمليات الصيانة جرت عليها اكثر من مرة كذلك من دون فائدة !.
كانت الدولة في حينها قد طلبت من المقاول الغاء القاعة، واختصار البناء الى (16) غرفة، مع الغاء الابواب الثانوية الملحقة بالسياج، والاكتفاء ببوابة واحدة للدخول والخروج، وهكذا بدأ العمل في اتجاهين معاً، ترميم التشققات ومعالجة التخسفات من جهة، وهدم الغرف والابواب الفائضة عن الحاجة، كون الدائرة التي ستشغل البناية، لاتحتاج الى مثل هذه الاعداد الكبيرة من ناحية اخرى .
انجزنا المهمة في زمن قياسي، وتحولت مع المقاول للعمل في بناء دار للايتام، وقبل أن نبدأ عملنا بالدار، تعرضت البناية الى التخسف من جديد، فعدنا مع المقاول، وتولينا ترميمها وتأهيلها، ولم نكد نباشر العمل في دار الايتام، حتى ظهر التخسف والتشقق بصورة اكبر من السابق، وهو الامر الذي احرج المقاول الذي (يقال) انه إنسان نزيه، ولاتدخل مفردة الغش في مواد بنائه او عمله ... ولهذا استعان بمهندس معماري مشهور، يمتلك خبرة عالية و ما كاد الرجل أن يطلع على البناية، حتى اكتشف العلة، وان المشكلة تكمن في (الأساس) الضعيف للبناية، اذ عمد المقاول الاول ( الذي غادر العراق) إلى اعتماد التراب والرمل، بدلاً من الاسمنت والحديد المشبك والمواد الصلبة، ولذلك اكد المهندس انه لايوجد حل سوى هدم البناية بالكامل، ابتداء من الأساس.