«الجوكر وثورة التدمير» (3)

منصة 2020/12/15
...

  عفاف مطر
بسبب القوانين والدين والمجتمع قد لا نستطيع الانتقام ممن آذونا، وربما نسامح مرغمين. علمياً الانتقام يجعل الإنسان يشعر بالراحة، لأنه يساعد على إفراز مادة الدوبامين، هذه المادة تجعله يشعر أيضاً بسعادة كبيرة جداً، قد تكون مؤقتة وسريعة ولربما نشعر بالندم في ما بعد، لكنْ في لحظة الانتقام ليس من سعادة توازيها، وهذه أحد تفسيرات علم النفس في نجاح شخصية الجوكر، لأنه يحقق قيمة الانتقام الجماعي.
العالم David Graber في جامعة LC يهاجم في كتابه Bull Shit Jobs شخصية بات مان، الذي يختفي خلفها رجل ملياردير، فيقول: إنَّ بات مان يحمي بقوته الخارقة وأمواله، النظام الرأسمالي، بدلاً من أنْ يستعملهما لتغيير مجتمع الفقراء، ويرفع عنهم الظلم الاجتماعي. لهذا تعاطف الناس مع الجوكر، كرمزٍ لتدمير هذا المجتمع، فهو بالنسبة إليهم ثورة على النظام العالمي الحالي والذي قد يرغب الكثير منا تدميره أو تغييره.
لنشرح ذلك على أرض الواقع؛ في العام 2016 نُشِرت دراسة صادرة عن Democracy Journal Of Ideas تحت عنوان The Danger Of Deconsolidation Democratic Disconnect وضحت هذه الدراسة أنَّ الشباب الأميركي بنسبة 23 % ترى أنَّ الانتخابات غير مهمة، وأنه لا يمكن بالانتخابات ولا غيرها أنْ يتغير الواقع السياسي ولا الاقتصادي ولا الاجتماعي، وفي العام 1955 نشرت دراسة أنَّ 16 % من الشباب لا يؤمنون بالديمقراطية، وهذه النسبة ارتفعت الى 25 % في 2010، وفي أوروبا زادت من 7 % الى 13 %.
فقدان الجمهور الثقة بالنظام العالمي جعلهم يحبون الـ Anti-Hero أي أشخاصاً مثل الجوكر يؤمنون ويسعون الى تدمير العالم السيئ، وعلل علماء النفس أنَّ سر نجاح ترامب ووصوله الى رئاسة الولايات المتحدة الأميركيَّة، وشخص مثل Nigel Farage في انكلترا، أنهما لعبا على مشاعر الغضب عند الناس، وأنهما قادمان الى تغيير العالم وتلك المنظومة الفاشلة، مع أنهما أبناء هذه المنظومة أصلاً، ولم يكن لهما ما أرادا لولا الإعلام.
هذا كله لربما يساعد في تفسير ظاهرة تحول الناس من حب بات مان في القرن العشرين الى الجوكر في القرن الواحد والعشرين. الأمر يشبه متلازمة ستوكهولم الى حدٍ ما، ولو ابتعدنا قليلاً عن الصورة، لربما فهمنا خضوع وخنوع الكثير من الشعوب سنوات طويلة تحت ظل أنظمة قمعيَّة، فرضوخهم إليها يجعلهم على الأقل يضمنون بقاءهم على قيد الحياة مهما كانت الظروف الأخرى سيئة، مثل هذه الشعوب تؤيد قدوم أبطال يدمرون أنظمتهم الديكتاتوريَّة، حتى وإنْ كانوا يعرفون مسبقاً أنهم أشرارٌ أيضاً، وأنهم ليسوا بأفضل مما سبقهم، إنها رغبة الانتقام، التي تشعرنا بسعادة مؤقتة، ندفع ثمنها مستقبلاً، وتجعلنا نشعر بالندم المر.